الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

من هو الغزالي

13473

تاريخ النشر : 19-04-2002

المشاهدات : 244725

السؤال

هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على ( من هو الإمام الغزالي ) ؟.

الجواب

الحمد لله.

الغزالي : هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي المعروف بالغزالي ، ولد بطوس سنة ( 450هـ ) وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس .

والحديث عن الغزالي يطول نظراً لأنه مرَّ بعدة مراحل ، فقد خاض في الفلسفة ثم رجع عنها وردَّ عليها ، وخاض بعد ذلك فيما يسمى بعلم الكلام وأتقن أصوله ومقدماته ثم رجع عنه بعد أن ظهر له فساده ومناقضاته ومجادلات أهله ، وقد كان متكلماً في الفترة التي ردَّ فيها على الفلاسفة ولُقب حينها بلقب " حجة الإسلام " بعد أن أفحمهم وفند آراءهم ، ثم إنه تراجع عن علم الكلام وأعرض عنه وسلك مسلك الباطنية وأخذ بعلومهم ثم رجع عنه وأظهر بطلان عقائد الباطنية وتلاعبهم بالنصوص والأحكام ، ثم سلك مسلك التصوف . فهذه أربعة أطوار مرَّ بها الغزالي وما أحسن ما قاله الشيخ أبو عمر ابن الصلاح - رحمه الله - عنه حيث قال : " أبو حامد كثر القول فيه ومنه ، فأما هذه الكتب – يعني كتبه المخالفة للحق – فلا يُلتفت إليها ، وأما الرجل فيُسكت عنه ، ويُفَوَّضُ أمره إلى الله " أنظر كتاب ( أبو حامد الغزالي والتصوف ) لعبد الرحمن دمشقية .

و لا يُنكر المُنْصِف ما بلغه أبو حامد الغزالي  من الذكاء المتوقد والعبقرية النادرة حتى قال عنه الذهبي: " الغزالي الشيخ الإمام البحر حجة الإسلام أعجوبة الزمان زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي صاحب التصانيف والذكاء المفرط تَفَقَّه ببلده أولاً ثم تحول إلى نيسابور في مرافقة جماعة من الطلبة فلازم إمام الحرمين فبرع في الفقه في مدة قريبة ومهر في الكلام والجدل حتى صار عين المناظرين ... " سير أعلام النبلاء ج9 ص 323 .

وتجد أبا حامد الغزالي مع أن له من العلم بالفقه والتصوف والكلام والأصول وغير ذلك مع الزهد والعبادة وحسن القصد وتبحره في العلوم الإسلامية ... يميل إلى الفلسفة لكنه أظهرها في قالب التصوف والعبارات الإسلامية ولهذا فقد رد عليه علماء المسلمين حتى أخص أصحابه أبو بكر بن العربي فإنه قال شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر وقد حكى عنه من القول بمذاهب الباطنية ما يوجد تصديق ذلك في كتبه . أنظر مجموع الفتاوى ج4 ص66

ومع تقدم الغزالي في العلوم إلا أنه كان مُزْجَى البضاعة في الحديث وعلومه ، لا يميز بين صحيح الحديث وسقيمه قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – : " فإن فرض أن أحداً نقل مذهب السلف كما يذكره (الخارج عن مذهب السلف ) ؛ فإما أن يكون قليل المعرفة بآثار السلف كأبي المعالي وأبي حامد الغزالي وابن الخطيب وأمثالهم ممن لم يكن لهم من المعرفة بالحديث ما يُعَدَّونَ به من عوام أهل الصناعة فضلا عن خواصها ولم يكن الواحد من هؤلاء يعرف البخاري ومسلماً وأحاديثهما إلا بالسماع كما يذكر ذلك العامة ، ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواتر عند أهل العلم بالحديث ، وبين الحديث المفترى المكذوب ، وكتبهم أصدق شاهد بذلك ، ففيها عجائب . وتجد عامة هؤلاء الخارجين عن منهاج السلف من المتكلمة والمتصوفة يعترف بذلك ، إما عند الموت ، وإما قبل الموت ، والحكايات في هذا كثيرة معروفة ... هذا أبو حامد الغزالي مع فرط ذكائه وتألهه ومعرفته بالكلام والفلسفة وسلوكه طريق الزهد والرياضة والتصوف ينتهي في هذه المسائل إلى الوقف والحيرة ويحيل في آخر أمره على طريقة أهل الكشف ... " مجموع الفتاوى ج4 ص71

وقال أيضاً : " ولهذا كان أبو حامد مع ما يوجد في كلامه من الرد على الفلاسفة ، وتكفيره لهم ، وتعظيم النبوة ، وغير ذلك ، ومع ما يوجد فيه من أشياء صحيحةٍ حسنةٍ بل عظيمة القدر نافعة ، يوجد في بعض كلامه مادة فلسفية وأمور أضيفت إليه توافق أصول الفلاسفة الفاسدة المخالفة للنبوة ، بل المخالفة لصريح العقل ، حتى تكلم فيه جماعات من علماء خراسان والعراق والمغرب ، كرفيقه أبي إسحاق المرغيناني وأبي الوفاء بن عقيل والقشيري والطرطوشي وابن رشد والمازري وجماعات من الأولين ، حتى ذكر ذلك الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فيما جمعه من طبقات أصحاب الشافعي ، وقرره الشيخ أبو زكريا النووي ، قال في هذا الكتاب : فصلٌ في بيان أشياء مهمة أُنكرت على الإمام الغزالي في مصنفاته ولم يرتضيها أهلُ مذهبه وغيرُهم من الشذوذ في تصرفاته منها : قوله في مقدمة المنطق في أول المستصفي : هذه مقدمة العلوم كلها ، ومن لا يحيط بها فلا ثقة بعلومه أصلاً .

 قال الشيخ أبو عمرو : وسمعت الشيخ العماد بن يونس يحكي عن يوسف الدمشقي مدرس النظامية ببغداد وكان من النظار المعروفين أنه كان ينكر هذا الكلام ويقول : فأبو بكر وعمر وفلان وفلان يعني أن أولئك السادة عظمت حظوظهم من الثلج واليقين ولم يحيطوا بهذه المقدمة وأسبابها " العقيدة الأصفهانية . ج 1 ص169

ونقل الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء عن محمد بن الوليد الطرطوشي في رسالة له إلى ابن مظفر قال : فأما ما ذكرت من أبي حامد فقد رأيته وكلمته فرأيته جليلا من أهل العلم ، واجتمع فيه العقل والفهم ، ومارس العلوم طول عمره ، وكان على ذلك معظم زمانه ، ثم بدا له عن طريق العلماء ، ودخل في غُمار العُبَّاد ، ثم تصوَّف ، وهجر العلومَ وأهلها ، ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان ، ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج ، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين ، ولقد كاد أن ينسلخَ من الدين ، فلما عمل الإحياء عمد يتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية ، وكان غير أنيس بها ، ولا خبير بمعرفتها ، فسقط على أمِّ رأسه ، وشحن كتابه بالموضوعات .

  قلت ( القائل هو الذهبي ) أما الإحياء ففيه من الأحاديث الباطلة جملة ، وفيه خيرٌ كثير ، لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية نسأل الله علماً نافعاً ، تدري ما العلم النافع ؟

هو ما نزل به القرآن وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً ولم يأت نهي عنه . قال عليه السلام : " من رغب عن سنتي فليس مني " . فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله ، وبإدمان النظر في الصحيحين ، وسنن النسائي ، ورياض النواوي وأذكاره ، تفلح وتنجح .

وإياك وآراء عباد الفلاسفة ووظائف أهل الرياضات وجوع الرهبان وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات ، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة . فواغوثاه بالله اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم ...

ثم إن المازري أثنى على أبي حامد في الفقه ، وقال هو بالفقه أعرف منه بأصوله ، وأما علم الكلام الذي هو أصول الدين فإنه صنف فيه وليس بالمُتَبَحِر فيها ، ولقد فطنت لعدم استبحاره فيها ، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فن الأصول فأكسبته الفلسفة جرأة على المعاني ، وتسهلاً للهجوم على الحقائق ؛ لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها ، لا يردعها شرع .

 وعرَّفني صاحب له أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا وهي إحدى وخمسون رسالة ، ألفها من قد خاض في علم الشرع والنقل وفي الحكمة ، فمزج بين العلمين ، وقد كان رجلٌ يعرف بابن سينا ملأ الدنيا تصانيف ، أدته قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة وتلطف جهده حتى تم له ما لم يتم لغيره ، وقد رأيت جملا من دواوينه ، ووجدت أبا حامد يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من علوم الفلسفة . وأما مذاهب الصوفية فلا أدري على من عَوَّل فيها ، لكني رأيت فيما علق بعض أصحابه أنه ذكر كتب ابن سينا وما فيها ، وذكر بعد ذلك كتب أبي حيان التوحيدي ، وعندي أنه عليه عول في مذهب التصوف ، وأُخبرت أن أبا حيان ألف ديوانا عظيماً في هذا الفن وفي الإحياء من الواهيات كثير... ثم قال: ويستحسن أشياء مبناها على مالا حقيقة له ، كقص الأظفار أن يبدأ بالسبابة لأن لها الفضل على باقي الأصابع ؛ لأنها المسبحة ، ثم قص ما يليها من الوسطى ؛ لأنها ناحية اليمين ، ويختم بإبهام اليمنى وروى في ذلك أثراً .

قلت ( القائل هو الذهبي ) : هو أثر موضوع ... قال أبو الفرج ابن الجوزي صنف أبو حامد الإحياء وملأه بالأحاديث الباطلة ولم يعلم بطلانها ، وتكلم على الكشف وخرج عن قانون الفقه ، وقال عن المراد بالكوكب والقمر والشمس اللواتي رآهن إبراهيم أنوار هي حُجُبُ الله عز وجل ، ولم يُرِد هذه المعروفات ، وهذا من جنس كلام الباطنية . " السير ج19 ص340

ثم إن الغزالي – رحمه الله – رجع في آخر حياته إلى عقيدة أهل السنة والجماعة ، وأكب على الكتاب والسنة ، وذم الكلام وأهله ، وأوصى الأمة بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ... وإن كان بعد ذلك رجع إلى طريقة أهل الحديث وصنف إلجام العوام عن علم الكلام " مجموع الفتاوى ج4 ص72 .

" وإن نظرة إلى كتابه المسمى إلجام العوام عن علم الكلام ، ليثبت لنا حقيقة هذا التغيُّر من وجوهٍ عديدة :

الوجه الأول : أنه انتصر في هذا الكتاب لعقيدة السلف ، منبهاً على أن الحق هو مذهب السلف ، وأن من خالفهم في ذلك فهو مبتدع .

الوجه الثاني : أنه نهى عن التأويل أشد النهي ، داعياً إلى إثبات صفات الله ، وعدم تأويلها بما يودي بها إلى التعطيل .

الوجه الثالث : أنه شدد النكير على المتكلمين ، ووصف كل أصولهم ومقاييسهم بـ" البدعة المذمومة " ، وبأنها كانت سبب تضرر أكثر الخلق به ، ومنبت الشر بين المسلمين قائلاً : 

والدليل على تضرر الخلق به : المشاهدة والعيان والتجربة ، وما ثار من الشر منذ نبغ المتكلمون ، وفشت صناعة الكلام مع نهي العصر الأول من الصحابة رضي الله عنهم عن مثل ذلك . ويدل عليه أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بأجمعهم ما سلكوا في المحاجة مسلك المتكلمين في تقسيماتهم وتدقيقاتهم – لا لعجز منهم عن ذلك – فلو علموا أن ذلك نافع لأطنبوا فيه ، ولخاضوا في تحرير الأدلة خوضاً يزيد على خوضهم في مسائل الفرائض .

وقال أيضاً : إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا محتاجين إلى محاجة اليهود والنصارى في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فما زادوا على أدلة القرآن شيئاً ، وما ركبوا ظهر اللجاج في وضع المقاييس العقلية وترتيب المقدمات . كل ذلك لعلمهم بأن ذلك مثار الفتن ومنبع التشويش ، ومن لا يقنعه أدلة القرآن ، لا يقنعه إلا السيف والسنان فما بعد بيان الله بيان " أنظر كتاب ( أبو حامد الغزالي والتصوف )

هذه مجموعة من النقولات عن بعض العلماء الموثوق بعلمهم عن الغزالي رحمه الله ولعل فيها الكفاية لمن أراد الهداية . والله الهادي إلى سواء السبيل .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد