الحمد لله.
أولا :
من علامات حسن الخاتمة أن يوفق الله تعالى العبد إلى قول : "لا إله إلا الله" قبل وفاته ، وأن تكون آخر ما يخرج به من الدنيا ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) رواه أحمد (21529)، وأبو داود (3116)، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل"(687).
فنرجو لوالدك الخير بذلك.
ثانيا :
وردت أحاديث كثيرة في تعداد الشهداء الذين ينالون ثواب الشهيد في الآخرة ، وقد سبق ذلك بعضها في جواب السؤال رقم: (317851).
وقد جاء في بعض تلك الأحاديث (والغريق شهيد) رواه مسلم (5050).
والذي يظهر أنه لا يصح اعتبار الشَّرِيق - وهو من مات بسب الغُصَّة بالماء – غريقا، لسببين :
الأول: أن أهل اللغة فرقوا بينهما.
جاء في "لسان العرب" (4/2247):
"والشَّرَقُ : الشجا والغُصّة ، والشَّرَقُ بالماء والرِّيق ونحوهما كالغَصَص بالطعام ، وشَرِقَ شَرَقاً فهو شَرِقٌ . قال الليث : يقال شَرِقَ فلانٌ برِيقِه ، وكذلك غَصَّ بريقه ، ويقال : أَخذَتْه شَرْقة فكاد يموت . وقال الأَزهري : والغَرَقُ أَن يدخل الماءُ في الأَنف حتى تمتلئ منافذُه ، والشَّرَقُ دخولُ الماء الحَلْقَ حتى يَغَصَّ به ، وقد غَرِقَ وشَرِقَ" انتهى .
الثاني : أن الأحاديث الواردة في ذلك قد فرقت بينهما ، وعدتهما خصلتين ، وتبعها علماء الحديث وشراحه . كما سيأتي .
ثالثا :
روى الطبراني في "المعجم الكبير"(11520): من طريق عَمْرُو بن عَطِيَّةَ بن الْحَارِثِ الْوَادِعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا لأَصْحَابِهِ: (مَا تَعُدُّونَ الشُّهَدَاءَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: مَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلا غَيْرَ مُدْبِرٍ شَهِيدٌ، قَالَ:إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذَنْ لَقَلِيلٌ: الْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْءُ يَمُوتُ عَلَى فِرَاشِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَاللديغُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ، وَالشريقُ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَفْتَرِسُهُ السَّبُعُ شَهِيدٌ، وَالْخَارُّ عَنْ دَابَّتِهِ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالنُّفَسَاءُ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا يَجُرُّهَا بِسَرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ).
قال الهيثمي في مجمع الزاوائد (5/360)، حديث رقم (9551): "رواه الطبراني وفيه عمرو بن عطية بن الحارث الوادعي وهو ضعيف" انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (5/359):
"عمرو بن أبي روق عطية بن الحارث الوداعي: عن أبيه قال البخاري: في حديثه نظر. وقال الدارقطني: ضعيف قلت: روى عنه محمد بن بشر العبدي انتهى. وقال ابن المديني في العلل: عمرو بن عطية شيخ روى عنه حميد، مجهول. قلت: فما أدري هو ذا أو غيره" انتهى .
رابعا :
عدَّ كثير من العلماء "الشريق" من الشهداء .
فقد ذكر بدر الدين العيني في عمدة القاري أن خصال الشهادة نحو أربعين خصلة ، ذكر منها : "وفي حديث ابن عباس : (المرابط يموت في فراشه في سبيل الله فهو شهيد ، والشرق شهيد ، والذي يفترسه السبع شهيد)" انتهى .
واختار الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6 /43-44) بعض هذه الخصال التي رأى أن أحاديثها صحيحة أو حسنة ، فقال : "وَقَدِ اجْتَمَعَ لَنَا مِنَ الطُّرُقِ الْجَيِّدَةِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ خَصْلَةٍ .... وذكر حديث ابن عباس المتقدم ذكره في كلام العيني" انتهى .
كما ذكره السيوطي في "تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك" (1/182) ، ونقله عنه الحطاب المالكي في مواهب الجليل (2/248) ، وذكره الشيخ الأثيوبي في شرحه لسنن النسائي ، والبهوتي الحنبلي في كشاف القناع ، ونقله عنه ابن قاسم في حاشيته على الروض المربع
، كما ذكره ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي في فتاواه (4/4) في باب الوصية .
وكأن هؤلاء العلماء رأوا أن الحديث يدخل في دائرة القبول ، وأنه لا بأس من القول به ، أو رأوا له شواهد تقويه .
وبناء على هذا ، فيرجى لمن مات شريقا أن يكون شهيدا ، وفضل الله تعالى واسع ، يؤتيه من يشاء .
والله أعلم .