الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

أصناف الشهداء

317851

تاريخ النشر : 23-01-2020

المشاهدات : 76397

السؤال

قال الحافظ ابن حجر : وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة. يقصد بها الشهادة، فما هي تلك الخصال العشرين؟ وهل من كان واحداً ممن انطبقت عليه هذه الصفات العشرين دون الشهيد في أرض المعركة كان له مزايا شهداء المعركة دون الثواب ؟ أقصد بالمزايا الشفاعة في 70 من الأهل، والزواج ب72 من الحور العين، وحصوله على تاج الوقار، ولكن يظل ثوابه ودرجته وحسناته دون ثواب شهيد المعركة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وقد اجتمع لنا – في أسباب الشهادة - من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة " انتهى من"فتح الباري" (6 / 43).

وهذه الخصال هي:

الأول: الذي يُقتَل في سبيل الله.

الثاني: الذي يموت بمرض الطاعون.

الثالث: الميت بداء في البطن.

الرابع: الغريق.

الخامس: الميت تحت الهدم.

السادس: الميت بمرض ذَاتِ الْجَنْبِ.

السابع: الذي يموت بالحريق.

الثامن: المرأة تموت في النفاس.

ويدل على هذه الخصال؛ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ  رواه البخاري (2829)، ومسلم (1914).

وحديث جَابِر بْن عَتِيكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟ 

قَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ  رواه الإمام مالك في "الموطأ" (1 / 233)، وأبو داود (3111).

التاسع: الذي يقتل بسبب دفاعه عن حقّه ومظلمته.

عَنْ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ  رواه النسائي (4096)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن النسائي" (3 / 101).

العاشر: المقتول في دفاعه عن دينه.

الحادي عشر: المقتول في دفاعه عن عرضه.

الثاني عشر: المقتول في دفاعه عن نفسه.

الثالث عشر: المقتول في دفاعه عن ماله.

عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ  رواه أبو داود (4772)، والترمذي (1421)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

الرابع عشر: الذي يموت في سبيل الله.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ 

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ.

قَالَ:  إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ! 

قَالُوا: فَمَنْ هُمْ؟ يَا رَسُولَ اللهِ!

قَالَ:  مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ   رواه مسلم (1915)

الخامس عشر: ذكر الحافظ ابن حجر "السِّل": المرض المعروف، ونسب هذا إلى حديث رَاشِدِ بْنِ حُبَيْشٍ في "مسند" الإمام أحمد (26 / 378)، لكن الوارد فيه هو "السَّيْلُ".

عَنْ رَاشِدِ بْنِ حُبَيْشٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ يَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَعْلَمُونَ مَنِ الشَّهِيدُ مِنْ أُمَّتِي؟  فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ عُبَادَةُ: سَانِدُونِي، فَأَسْنَدُوهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الصَّابِرُ الْمُحْتَسِبُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ شَهَادَةٌ، وَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ، وَالْغَرَقُ شَهَادَةٌ، وَالْبَطْنُ شَهَادَةٌ، وَالنُّفَسَاءُ يَجُرُّهَا وَلَدُهَا بِسُرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ) قَالَ: وَزَادَ فِيهَا أَبُو الْعَوَّامِ سَادِنُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ: ( وَالْحَرْقُ، وَالسَّيْلُ  .

قال المناوي رحمه الله: " (والسيل) : بفتح السين المشددة ومثناة تحتية ؛ أي : الغرق في الماء. كذا ضبطه المصنف بخطه، ورأيته بعيني فيه فما في كثير من النسخ من أنه السل تحريف من النساخ" انتهى من "فيض القدير" (4/698). وبنحوه في "الفتح الرباني" للساعاتي (14/38).

وقال محققو المسند (25 / 380):

" وقوله: "السَّيْل"، هكذا ورد في جميع النسخ، وفي "غاية المقصد" وهو يوافق معنى الغريق، لكن قيّده الحافظ في "الفتح" 6/43: والسِّلّ: بكسر المهملة وتشديد اللام. يعني ذاك المرض المعروف، فلعله يندرج حينئذ مع من مات بالطاعون " انتهى.

وعلى هذا يكون الميت بالسيل لاحقا بحكم الغريق الذي مضى ذكره في حديث أبي هريرة وجابر بن عتيك.

السادس عشر: المسلم يموت غريبا.

ورد هذا في حديث رواه ابن ماجه (1613) حَدَّثَنَا جَمِيلُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ الْهُذَيْلُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَوْتُ غُرْبَةٍ شَهَادَةٌ ).

وقد ضعفه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى؛ حيث قال:

" أخرجه ابن ماجه بسند واه، وأخرجه الطبراني في أثناء حديث، من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده، قال: " والغريب شهادة". و"عبد الملك": متروك.

قال المنذري: وجاء في أن موت الغريب شهادة عدة أحاديث، لا يبلغ شيء منها درجة الحسن." انتهى من كتابه "بذل الماعون في فضل الطاعون" (ص 185).

السابع عشر: المسلم الذي يموت وهو مرابط في سبيل الله .

روى عبد الرّزاق في "المصنف" (5 / 283)، وغيره: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا مَاتَ شَهِيدًا وَوُقِيَ فَتَّانَ الْقَبْرِ، وَغُدِيَ وَرِيحَ بِرَزْقِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ  .

لكن راويه إبراهيم بن محمد ضعفه أهل العلم.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" إبراهيم ابن محمد ابن أبي يحيى الأسلمي... أبو إسحاق المدني، متروك " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص 93).

وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله تعالى هذا الحديث في كتابه "الموضوعات" (3 / 217)، وقال :

" قال أحمد بن حنبل: وليس هذا الحديث بشيء " انتهى.

الثامن عشر: من وقصه بعيره أو فرسه، يعني أسقطه فكسر عنقه.

التاسع عشر: من لدغته هامّة؛ كالحيّة والعقرب.

العشرون: من مات على فراشه.

روى هذا أبو داود (2499) عن بَقِيَّة بْن الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، يَرُدُّ إِلَى مَكْحُولٍ، إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  مَنْ فَصَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ، أَوْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ، أَوْ وَقَصَهُ فَرَسُهُ، أَوْ بَعِيرُهُ أَوْ لَدَغَتْهُ هَامَّةٌ، أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ، أَوْ بِأَيِّ حَتْفٍ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّهُ شَهِيدٌ، وَإِنَّ لَهُ الْجَنَّةَ  .

وظاهر اللفظ أن التقييد بـ "في سبيل الله" هو لكل ما ذكر في الحديث من الخصال .

ورواه الحاكم في "المستدرك" (2/ 78 - 79) ، وقال: "صحيح على شرط مسلم".

فتعقبه الذهبي بقوله:

"قلت: ابن ثوبان لم يحتج به مسلم؛ وليس بذاك، وبقية ثقة، وعبد الرحمن بن غنم لم يدركه مكحول فيما أظن".

وضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (11 / 597).

لكن من يسقط من فرسه وجمله فيموت؛ قد ورد له شاهد من حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَنْ صُرِعَ عَنْ دَابَّتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ  رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (17 / 323)، وصحح إسناده الألباني في "السلسلة الصحيحة" (4 / 231).

وأما الذي يموت على فراشه؛ إن كان المقصود به: مع تمنيه الشهادة؛ فهذا له شاهد صحيح رواه الإمام مسلم (1909) عَنْ سهلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ .

ثانيا:

هؤلاء الأصناف يشاركون شهيد المعركة في أصل فضل الشهادة وثوابها، كما يدل عليه ظاهر التسمية.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" فهذه الخصال، ورد في  كل منها أن صاحبها شهيد ؛ بمعنى أنه يعطى أجر الشهيد . وغالبها مِيْتات فيها شدّة، تفضل الله بها على الأمة المحمدية، بأن جعلها تمحيصًا لذنوبهم، وزيادة في أجورهم، ومراتبها مع ذلك متفاوتة فيما يظهر، حتى في الأشخاص، والله أعلم  " انتهى من "بذل الماعون" (ص 186).

وأما تفاصيل هذا الأجر والفضائل، فلم يرد نص بها، فنكل علمها إلى الله تعالى.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:

" والشهداء أقسام لكن أفضلهم شهيد المعركة في سبيل الله عز وجل، ومنهم المطعون، الموت بالطاعون، والمبطون الذي يموت بالإسهال في البطن، وصاحب الهدم الذي يموت بالهدم، يسقط عليه جدار أو سقف، وفي حكمه من يموت بدهس السيارات، وانقلاب السيارات، وصدام السيارات، هذا من جنس الهدم. وكذلك الغرق كل هذه أنواع من الشهادة، لكن أفضلهم شهيد المعركة وهو الذي لا يغسل، ولا يصلى عليه، أما البقية فيغسلون ويصلى عليهم، وإن كانوا شهداء.

أما الشفاعة فقد جاء الحديث الصحيح، في شهيد المعركة إذا كان صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، هذا جاء في شهيد المعركة، أما غيره فالله أعلم، له فضل ولهم خير، ولكن كونهم يشفعون في كذا، وكونهم يغفر لهم كل شيء، هذا محل نظر، يحتاج إلى دليل خاص، لكن لهم فضل الشهادة " انتهى من"فتاوى نور على الدرب" (4 / 338 - 339).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب