الحمد لله.
أولا:
إذا مات أحد الشريكين بطلت الشركة ، في قول جمهور الفقهاء.
قال ابن قدامة رحمه الله "المغني" (5/16): " والشركة من العقود الجائزة، تبطل بموت أحد الشريكين، وجنونه، والحجر عليه للسفه، وبالفسخ من أحدهما؛ لأنها عقد جائز، فبطلت بذلك، كالوكالة " انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (39/308): " ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة: إلى انفساخ شركة العقد (بأنواعها) ، وبطلان الالتزامات الناشئة عنها بموت أحد الشريكين" انتهى.
وقال الشيخ أبو عمر الدبيان: " وجه القول بالبطلان:
أن الشريك إذا مات بطلت الشركة؛ لزوال أهلية التصرف بالموت، ولانتقال الملك إلى الورثة.
ولأن الشركة لا يتحقق ابتداؤها إلا بولاية التصرف لكل منهما في مال الآخر، ولا تبقى الولاية إلا ببقاء الوكالة، والوكالة تنتهي بالموت بالاتفاق، حكى الاتفاق على ذلك ابن قدامة في المغني.
ولأن الشريك إن كان موكلًا فقد بطل أمره بموته، وإن كان وكيلًا فقد تعذر تصرفه بموته.
هذا إذا كان الشركاء اثنين، فإن كان الشركاء ثلاثة فأكثر ، انفسخت الشركة في حق الميت فقط، وتبقى قائمة في حق الحي.
جاء في الإقناع: "والشركة عقد جائز تبطل بموت أحد الشريكين ... ".
وقال ابن نجيم: "ولو كان الشركاء ثلاثة، فمات أحدهم، حتى انفسخت الشركة في حقه: لا تنفسخ في حق الباقين"" انتهى من "المعاملات المالية" (14/287).
ثانيا:
المضاربة إحدى أنواع الشركات، وتنفسخ بموت أحد أطرافها، أي رب المال أو العامل، إذا كان المال ناضا، أي نقودا.
وأما إذا لم ينض المال، بل كان في عُروض أي سلع، فاختلف الفقهاء في انفساخها بموت أحد أطرافها.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (39/308): " لا خلاف بين الفقهاء في انفساخ عقد المضاربة وبطلان الالتزامات المترتبة عليه بموت المضارب أو رب المال ، إذا كان مال المضاربة ناضا (أي من جنس رأس مالها)، وذلك لأن المضاربة تتضمن الوكالة، والوكالة تنفسخ بموت أحد عاقديها ولا تورث، فتتبعها المضاربة.
أما إذا كان المال عروضا تجارية، فقد اختلف الفقهاء في بطلان عقد المضاربة بموت أحدهما، وذلك على قولين:
أحدهما: لجمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو بطلان المضاربة بموت أحد العاقدين، فتباع السلع والعروض حتى ينض رأس المال جميعه، ويوزع بين ورثة المتوفى والطرف الباقي.
والثاني: للمالكية، وهو أن المضاربة لا تبطل بوفاة رب المال أو المضارب.
أما رب المال إذا مات فيخلفه ورثته في المال، ويبقى العامل على قراضه إذا أراد الورثة بقاءه، وإن أرادوا فسخ العقد وأخذ مالهم كان لهم ذلك بعد نضوضه.
وأما المضارب [أي العامل] إذا مات، فيخلفه ورثته في حق عمله في المضاربة، وليس لرب المال أن ينتزعه منهم إذا أرادوا العمل فيه، إلا بعد أن يعملوا فيه بمقدار ما كان لمورثهم" انتهى.
فعلى قول المالكية يجوز الاتفاق على: عدم انفساخ المضاربة بموت العامل أو رب المال أو أحد أرباب الأموال إذا كان المال غير ناض، أي كان موجودا في عروض وسلع، وأن الوارث يحل محل الميت، على تفصيل المالكية السابق.
فيكون الاتفاق تقريرا وتأكيدا لأمر عدم الانفساخ حال كون المال غير ناض.
ثم ينبغي أن يعلم أن الشركة والمضاربة من العقود غير اللازمة، فيجوز فسخها لمن أراد، ما لم تكن مؤقتة بوقت معين، أو كان في الفسخ ضرر، كوجود بضاعة تحتاج إلى بيع، فينتظر إلى أن تباع.
قال ابن رجب رحمه الله: " وحاصله: أنه لا يجوز للمضارب الفسخ، حتى ينض رأس المال، ويعلم به ربه؛ لئلا يتضرر بتعطيل ماله عن الربح، كما ذكر أنه في "الفصول": أن المالك لا يملك الفسخ إذا توجه المال إلى الربح، ولا يسقط به حق العامل. وهو حسنٌ، جارٍ على قواعد المذهب، في اعتبار المقاصد وسد الذرائع" انتهى من القواعد، ص 110
وأما اشتراط أن الشركة أو المضاربة تبقى لازمة ولا تفسخ، فهذا شرط محرم، كما بينا في جواب السؤال رقم: (284292).
والله أعلم.