الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

حكم اشتراط اللزوم في العقود الجائزة كالجعالة والشركة

284292

تاريخ النشر : 17-03-2018

المشاهدات : 25674

السؤال

ما حكم اشتراط لزوم العقد المالي الذي هو في أصله غير لازم كعقد الشركة أو الجعالة ـ على القول بأنها عقد جائز ـ، فيتفق العاقدان على جعل العقد لازم ، ولا يحق لأحدهما الفسخ؟ فهل نقول الأصل الإباحة ؟ أم أن هذا ينافي مقتضى العقد وبنائه ؟ وإذا كان ذلك الاشتراط صحيح وجائز فهل تصح المعاوضة عليه ، كأن يقول الشريك لشريكه عند التعاقد : ألتزم لك بعقد الشركة ، وألا أفسخ ، لكن تعطيني على هذا الالتزام ألفا ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

العقد اللازم هو الذي لا يمكن فسخه إلا برضا الطرفين، وذلك كالبيع والإجارة .

والعقد الجائز يمكن لأحدهما فسخه دون رضا الآخر، كالشركة.

وعقد الجعالة فيه تفصيل وخلاف، من حيث الجواز واللزوم.

جاء في الموسوعة الفقهية (15/ 211): " عقد الجعالة قبل تمام العمل هل هو لازم‏؟‏

قال الشّافعيّة والحنابلة وهو الرّاجح عند المالكيّة‏:‏ إنّ الجعالة عقد غير لازم لكلّ من المتعاقدين قبل شروع العامل في العمل، فيجوز لكلّ من المتعاقدين الرّجوع فيه ، بدون أن يترتّب على ذلك أيّ أثر ‏;‏ لأنّها من جهة الجاعل تعليق استحقاق العامل للجعل بشرط، وأمّا من جهة العامل ، فلأنّ العمل فيها مجهول، وما كان كذلك لا يتّصف عقده باللّزوم‏.‏

ويقابل هذا قول عند المالكيّة‏:‏ بأنّها عقد لازم لكلّ من المتعاقدين - ولو قبل الشّروع ، كالإجارة، وقيل عندهم أيضاً‏:‏ إنّها عقد لازم للجاعل فقط بمجرّد إيجابه أو إعلانه ، دون العامل.

وأمّا بعد شروع العامل في العمل المجاعل عليه ، وقبل تمامه، فعند الشّافعيّة والحنابلة العقد غير لازم أيضا لكلّ منهما، كما قبل الشّروع في العمل‏.‏

وهذا قول المالكيّة أيضاً بالنّسبة للعامل، أمّا الجاعل فقال المالكيّة‏:‏ إنّها تلزمه في هذه الحالة على الرّاجح، فلا يكون له حقّ الرّجوع عن تعاقده هذا، حتّى لا يبطل على العامل عمله . والظّاهر أنّه لا يكون له حقّ الرّجوع ، حتّى ولو كان العمل الّذي حصل به الشّروع قليلاً لا قيمة له‏" انتهى.

وفيها (15/ 218): " اتفق القائلون بالجعالة على أن عقد الجعالة بعد تمام العمل : يصبح لازما لأنه ، لا أثر يترتب على رجوع الجاعل عن العقد، أو ترك العامل العمل حينئذ؛ لأن الجعل قد لزم واستقر على الجاعل" انتهى.

فتحصل أن الجعالة فيها تفصيل:

1-بعد تمام العمل، لازمة باتفاق العلماء .

2- قبل شروع العامل في العمل : غير لازمة عند الجمهور.

3-إذا شرع العامل في العمل، كانت الجعالة لازمة في حق الجاعل فقط، عند المالكية.

وأما العامل فلا تكون الجعالة لازمة في حقه، حتى لو اتفقا على تأقيت الجعالة بزمن، كأن يقول: من رد ضالتي إلى نهاية شهر رمضان فله دينار، فهذا التأقيت لا تصح معه الجعالة عند المالكية والشافعية، إلا أن المالكية يستثنون ما لو جعل للعامل الحق أن يترك العمل متى شاء، أي لا يكون العقد لازما في حقه، فتصح الجعالة حينئذ.

وينظر: الموسوعة (15/ 215).

وعلم من هذا أن اشتراط لزوم الجعالة على العامل ، قبل العمل ، أو أثناءه : يفسد الجعالة.

ثانيا:

الشركة عقد جائز، فإذا شرط فيها اللزوم، فالشرط فاسد في قول جمهور الفقهاء؛ لأنه شرط مناف لمقتضى العقد.

واختلفوا : هل يفسد العقد بذلك أم لا؟

فالمالكية والشافعية على أنه يفسد بذلك، بخلاف الحنفية والحنابلة فإنهم يبطلون الشرط، ويصححون العقد.

قال الشلبي في حاشيته على تبيين الحقائق (5/ 56): " (قوله؛ لأن المضاربة لا تفسد بالشروط الفاسدة) : أي كما لو شرط لزوم المضاربة .

بخلاف شرط يوجب جهالة الربح؛ لأن ذلك يمنع موجب العقد ، فلا ينعقد العقد ، إذ العقد شرع لإثبات موجبه؛ ولهذا لو شرط عمل رب المال ، يفسد العقد، وإن لم يوجب جهالة في الربح؛ لأنه شرط يمنع موجب العقد ؛ إذ موجبه تسليم المال إلى المضارب ، وذا يمنعه اهـ. " انتهى.

وقال المرداوي في الإنصاف (5/ 423) : " فما يعود بجهالة الربح : يفسد به العقد ، مثل أن يشترط المضارب جزءا من  الربح مجهولا ، أو ربح أحد الكيسين ، أو أحد الألفين ، أو أحد العبدين ، أو إحدى السفرتين ، أو ما يربح في هذا الشهر ، ونحو ذلك . فهذا يفسد العقد بلا نزاع.

قال في الوجيز: وإن شرط توقيتها، أو ما يعود بجهالة الربح : فسد العقد ، وللعامل أجرة المثل .

ويخرّج في سائرها روايتان .

وشمل قسمين . أحدهما : ما ينافي مقتضى العقد ، نحو أن يشترط لزوم المضاربة ، أو لا يعزله مدة بعينها ، أو لا يبيع إلا برأس المال أو أقل . أو ألا يبيع إلا ممن اشترى منه ، أو شرط ألا يبيع أو لا يشتري ، أو أن يوليه ما يختاره من السلع ونحو ذلك .

والثاني : كاشتراط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه . نحو أن يشترط على المضارب المضاربة له في مال آخر ، أو يأخذه بضاعة ، أو قرضا ، أو أن يخدمه في شيء بعينه ، أو أن يرتفق ببعض السلع ، كلبس الثوب ، واستخدام العبد ، أو أن يشترط على المضارب ضمان المال ، أو سهما من الوضيعة ، أو أنه متى باع السلعة فهو أحق بها بالثمن ، ونحو ذلك :

إحداهما : لا يفسد العقد . وهو الصحيح من المذهب المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله . صححه في التصحيح . قال في المغني ، والشرح : المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله في أظهر الروايتين : أن العقد صحيح . قال في الفروع ، فالمذهب : صحة العقد . نص عليه " انتهى.

فالحنفية والحنابلة لا يرون فساد المضاربة باشتراط لزومها، فيصح العقد ، ويبطل الشرط.

وفي بيان مذهب المالكية، قال الخرشي: " وكذلك يكون القراض فاسدا إذا وقع إلى أجل معلوم؛ لأن عقده غير لازم ، وهو رخصة ، فلكل واحد منهما أن يفك عن نفسه متى شاء، فإذا وقع إلى أجل معلوم ، فقد منع نفسه من تركه" انتهى من شرح الخرشي على خليل (6/ 206).

وأما المذهب الشافعي، فقال الماوردي رحمه الله: " قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ولا يجوز أن يقارضه إلى مدة من المدد ".

قال الماوردي: قد ذكرنا أن القراض من العقود الجائزة دون اللازمة، ولذلك صح عقده مطلقا ، من غير مدة يلزم فيها، فلو شرطا مدة يكون القراض فيها لازما : بطل" انتهى من الحاوي (7/ 311).

فالمالكية والشافعية يبطلون الشركة إذا شرط فيها ما يؤدي للزوم العقد.

وبناء على ما تقدم، فلا يجوز اشتراط لزوم الشركة على المذاهب الأربعة؛ لأنه شرط ينافي مقتضى العقد.

ثالثا:

ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى جواز اشتراط ما ينافي مقتضى العقد المطلق، إذا لم يخالف الشرع ، ولم يخالف مقصود العقد الذي وضع له ، وكان لهما مصلحة في اشتراطه.

قال رحمه الله: " فإذا كان الشرط منافيا لمقصود العقد : كان العقد لغوا، وإذا كان منافيا لمقصود الشارع كان مخالفا لله ورسوله .

فأما إذا لم يشتمل على واحد منهما، إذا لم يكن لغوا ، ولا اشتمل على ما حرمه الله ورسوله : فلا وجه لتحريمه، بل الواجب حله؛ لأنه عمل مقصودٌ للناس ، يحتاجون إليه ؛ إذ لولا حاجتهم إليه لما فعلوه، فإن الإقدام على الفعل مظنة الحاجة إليه ، ولم يثبت تحريمه ؛ فيباح ، لما في الكتاب والسنة مما يرفع الحرج" انتهى من الفتاوى الكبرى (4/ 94).

وقال رحمه الله في (4/ 82): " وعلى هذا فمن قال: هذا الشرط ينافي مقتضى العقد ؟

قيل له: أينافي مقتضى العقد المطلق ، أو مقتضى العقد مطلقا ؟

فإن أراد الأول: فكل شرط كذلك .

وإن أراد الثاني : لم يُسلم له .

وإنما المحذور: أن ينافي مقصود العقد، كاشتراط الطلاق في النكاح، أو اشتراط الفسخ في العقد.

فأما إذا شرط ما يقصد بالعقد: لم يناف مقصوده.

هذا القول هو الصحيح ، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار ، مع الاستصحاب ، وعدم الدليل المنافي " انتهى.

وقد أطال رحمه الله في بيان ذلك.

وإلى هذا ذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، قال: " واعلم أن الأصل في جميع الشروط في العقود : الصحة ، حتى يقوم دليل على المنع .

والدليل على ذلك : عموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقد: (ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة: 1] ، (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) [الإسراء:34] .

وكذلك الحديث الذي روي عن الرسول عليه الصلاة والسلام: (المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا) ، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (كل شرط ليس فيه كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط).

فالحاصل: أن الأصل في الشروط الحل والصحة، سواء في النكاح، أو في البيع، أو في الإجارة، أو في الرهن، أو في الوقف .

وحكم الشروط المشروطة في العقود ، إذا كانت صحيحة : أنه يجب الوفاء بها، في النكاح وغيره؛ لعموم قوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) ؛ فإن الوفاء بالعقد يتضمن الوفاء به وبما تضمنه من شروط وصفات؛ لأنه كله داخل في العقد" انتهى من " الشرح الممتع " (12/ 163).

فعلى هذا القول : يصح اشتراط لزوم الشركة، كأن تؤقت بمدة، فلا يملك أحدهم الفسخ إلا بانتهاء المدة.

وأما الجعالة : فلا يظهر جواز الإلزام فيها على العامل؛ لأنه عمل مجهول، وقد يطول، وهو لا يستحق الجعل إلا بتمام العمل، ففي ذلك غرر كثير، إلا أن يُجعل لها مدة، ويستحق العامل الجعل بنهاية المدة ، ولو لم يتم العمل، وبهذا تنقلب الجعالة إلى إجارة، وقد أجاز المالكية ذلك.

قال الدردير في الشرح الكبير (4/ 63): " وإنما ضر تقدير الزمن؛ لأن العامل لا يستحق الجعل إلا بتمام العمل ، فقد ينقضي الزمن قبل التمام ، فيذهب عمله باطلا ؛ ففيه زيادة غرر، وإخراج له عن سنته.

ومثل شرط الترك متى شاء: إذا جعل له الجعل بتمام الزمن، تم العمل أم لا ؛ فيجوز ، إلا أنه قد خرج حينئذ من الجعالة إلى الإجارة" انتهى.

ثالثا:

على القول بصحة اشتراط اللزوم في الشركة، فإن الاعتياض عن قبول هذا الشرط، لم نقف على من قال به، ولا بنظيره. والظاهر تحريمه؛ لأنه ليس من الأسباب المشروعة التي يستحق بها المال، وهي:

1-العمل كالإجارة.

2-المال كالبيع والحقوق التي لها قيمة مالية.

3-الضرر البدني كالواجب في الجنايات.

وعليه :

فالذي يظهر لنا ، والله أعلم : أنه إما أن يقبل الشريك شرط اللزوم مجانا، أو لا يقبل.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب