أصيب والدي بسرطان الغدد الليمفاوية للمرة الثانية في شهر يناير هذا العام، ومَنّ الله تعالى عليه بالتعافي، لكن الأطباء أخبروه أن الورم شرس، وأنه سيعود لا محالة، وهو في أفضل وضع لزراعة النخاع، ولكن قدر الله تعالى وما شاء فعل، وفشلت العملية، وتوفي والدي ليلة الجمعة، الموافقة أيضا لليلة عرفة، في آخر أسبوعين من حياة أبي اصيب بهذيان شديد (delirium)، وبدأ يتصرف تصرفات غريبة، مثل: انه ينام لفترات طويلة، وعندما يستيقظ فإذا طلبت منه الصلاة، يقول: إنه صلى، رغم أنه لم يتحرك من الفراش، ثم يقوم بحركات لاواعية، مثل: تكرار الوضوء، وتكبيرة الإحرام، وكل يوم تسوء حالة أبي، حتى وضع على جهاز التنفس الصناعي، ولكنه لقن الشهادة قبل وضعه، ولم ينطق بكلمة بعدها، حتي عندما أفاق يوما واحدا أشار بيده أنه ذاهب إلي ربه، وتوفي بعدها بأسبوع، بعد أن وضع مرة أخرى علي الجهاز. سؤالي: هل والدي سيحاسب على فترة الهذيان التي أضاع فيها الصلاة، رغم أنه كان شديد الحفاظ عليها، حتي في قمة لحظات التعب والألم، بل كان ضياعها بالنسبة لوالدي هو ضياع الصف الأول في جماعة، وهل من شيء أفعله لوالدي غير الدعاء له، والتصدق عنه؟
الحمد لله.
من أصيب بالخرف أو الهذيان أو فقد الإدراك، لمرض أو كِبَر: سقط عنه التكليف ما دام كذلك، فلا يأثم بتركه الصلاة أو خطئه فيها، وينبغي أن يعينه أهله على الصلاة إن أرادها، ويقبلوا منه ما جاء به دون تثريب عليه لفقده الإدراك.
والأصل في ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه أبو داود (4403)، والترمذي (1423)، والنسائي (3432)، وابن ماجه (2041).
قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، زَادَ فِيهِ: (وَالْخَرِفِ) .
والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
والخرف هو فساد العقل بسبب كبر السن.
وقد ذكر في "عون المعبود" ضعف هذه الرواية التي فيها ذكر " الخرف" من حيث الإسناد، إلا أنه ذكر عن السبكي ما يفيد أن معناها صحيح.
قَالَ السُّبْكِيّ: (الخَرِف): زَائِدٌ عَلَى الثَّلَاثَة، وَهَذَا صَحِيح، وَالْمُرَاد بِهِ الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي زَالَ عَقْله مِنْ كِبَر؛ فَإِنَّ الشَّيْخ الْكَبِير قَدْ يَعْرِض لَهُ اِخْتِلاط عَقْل يَمْنَعهُ مِنْ التَّمْيِيز، وَيُخْرِجهُ عَنْ أَهْلِيَّة التَّكْلِيف، وَلا يُسَمَّى جُنُونًا؛ لأَنَّ الْجُنُون يَقْبَل الْعِلاج، وَالْخَرَف بِخِلافِ ذَلِكَ , وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيث: (حَتَّى يَعْقِل)؛ لأَنَّ الْغَالِب أَنَّهُ لا يَبْرَأ مِنْهُ إِلَى الْمَوْت , وَلَوْ بَرِئَ فِي بَعْض الأَوْقَات بِرُجُوعِ عَقْله تَعَلَّقَ بِهِ التَّكْلِيف " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مبينا أن الخرف يرفع التكليف: " لا يجب الصوم أداءً إلا بشروط: أولها: العقل. الثاني: البلوغ. الثالث: الإسلام. الرابع: القدرة. الخامس: الإقامة. السادس: الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للنساء.
- الأول: العقل وضده فقد العقل، سواءً بجنون أو خرف، يعني: هرم، أو حادث أزال عقله وشعوره، فهذا ليس عليه شيء؛ لفقد العقل.
وعلى هذا فالكبير الذي وصل إلى حد الهذرمة: ليس عليه صيام، ولا إطعام؛ لأنه لا عقل له، وكذلك من أغمي عليه بحادث أو غيره، فإنه ليس عليه صوم ولا إطعام؛ لأنه ليس بعاقل " انتهى من "لقاء الباب المفتوح".
فمن أصيب بالهذيان وأصبح لا يدرك الوقت، ولا يميز بين الصلوات، لم تجب عليه الصلاة.
ونسأل الله أن يكتب أجره فيما قدم من خير وحرص على الصلاة، وأن يجعل مرضه كفارة ورفعة له.
ثانيا:
يمكن نفع الميت المسلم بكثير من الأعمال ، منها : الدعاء والاستغفار له والصدقة بالمال والحج والعمرة عنه ، وكذلك قضاء ديونه سواء، كانت حقا لله كأن يكون مات وعليه صوم ، أو كانت حقا للعباد كأن يكون مات وعليه دين لأحد .
وأفضل ذلك كله الدعاء والاستغفار له .
وانظر لمعرفة ذلك بالتفصيل والأدلة إجابة السؤال رقم : (763) .
والله أعلم.