الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

ماذا ينفع الميت بعد موته وهل يسمع خطاب الأحياء

السؤال

توفي والدي منذ أسبوعين ، الذي أريد أن أعرفه هو : عندما نذهب أنا وباقي أفراد العائلة لزيارة قبره ، هل يستطيع أن يسمعنا ويسمع ما نقول له ؟ وإذا لم يستطع ، هل هناك طريقة تجعله يسمعنا ؟ أرجو الرد سريعاً لأني أود أن أعرف وذلك لأني أظن أن الجواب سيساعدني فيما أمر به من ألم .

الجواب

الحمد لله.

الأصل أن الأموات لا يسمعون كلام الأحياء لقوله تعالى : ( وما أنت بمسمع من في القبور ) وقوله : ( إنك لا تُسمع الموتى ) ، ولما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم قتلى الكفار بعد معركة بدر أسمعهم الله كلامه وهم في قاع البئر التي دفنوا فيها وكانت تلك حالة خاصّة كما ذكر العلماء رحمهم الله ( يراجع كتاب الآيات البينات في عدم سماع الأموات )

ولعلّ الدّافع النفسي لتمنّيك سماع والدك لك هو محاولة عمل شيء لإيجاد الصّلة بعد انقطاعها تخفيفا لألم الفراق الذّي تحسّين به ، ألا فلتعلمي أيتها الأخت السائلة أنّ الشّريعة قد بيّنت ماذا يستفيد الميّت من الأحياء وماذا يصل إليه في قبره من جهتهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثةٍ إلا من صَدَقَة جَارِيَة أوَعِلْم يُنْتَفَعُ بِهِ أوَوَلَد صَالِح يَدْعُو لَهُ . رواه مسلم/1631 .

فأهمّ ما ينفع والدك بعد موته الآن وأعظم ما تصلينه به وهو في قبره : الاجتهاد في الدعاء له بالمغفرة والرّحمة والجنّة والعتق من النّار ونحو ذلك من الأدعية الطيبة الحسنة .

واستغفار الذكر والأنثى من أولاد الميت للميت - وهو الدعاء له بالمغفرة - فيه ميزة عظيمة كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه ِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ . رواه ابن ماجة رقم 3660 وهو في صحيح الجامع 1617

ومما يصل إليه كذلك الصّدقة عنه لما روت عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا ( أي ماتت ) وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ : نَعَمْ . رواه البخاري : فتح 1388

وعن ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ سَعدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِي اللَّه عَنْهم تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ ( اسم لبستانه سمي بذلك لكثرة ثمره ) صَدَقَة ٌ عَلَيْهَا . رواه البخاري : فتح : 2756

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِي ِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالا وَلَمْ يُوصِ فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ *رواه النسائي

وعَنْ سَعْدِ ابْنِ عُبَادَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ سَقْيُ الْمَاءِ *رواه النسائي

ومما يصل إلى الميت كذلك الحجّ والعمرة عنه بعد أن يكون الحيّ قد حجّ واعتمر عن نفسه .

وقد روى عَبْد اللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ بَيْنَما أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ قَالَ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ صُومِي عَنْهَا قَالَتْ إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ حُجِّي عَنْهَا . رواه مسلم رحمه الله في صحيحه رقم 1149

وهذا يدلّ كذلك على مشروعية قضاء الصيام عنه .

ومما ينفع الميت أيضا قضاء نذره لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجَّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ *البخاري فتح 7315

وممّا يصل إلى الميّت كذلك من الأجر إشراك قريبه له بالأضحية عند ذبحها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذبح أضحيته : بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ رواه مسلم رقم 1967 وآل محمد فيهم الأحياء والأموات .

وأمّا مسألة زيارة النساء للمقابر فقد تقدّم الجواب عنها ( يراجع سؤال رقم 251 ) .

واعلمي أيتها الأخت السائلة أنّ انشغالك بإخلاص الدّعاء لأبيك هو أهمّ وأولى لك وأنفع للميت من التفكير بمسألة سماعه لصوتك فاحرصي على ما ينفعه وينفعك ، واحذري وأهلك من البدع المحرّمة كذكرى الأربعين ومرور سنة ومجالس الفاتحة ومنكرات المقابر ونحو ذلك مما يفعله الجهلة ويقلّد بعضهم بعضا فيه .

أسأل الله أن يغفر لأبيك ويرحمه ويتجاوز عنه وعن سائر أموات المسلمين إنه هو الغفور الرحيم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد