هل الولدان المخلدون هم أطفال المسلمين الذين ماتوا صغارا؟
الحمد لله.
قال الله تعالى في شأن أهل الجنة: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ الواقعة /17 وقال تعالى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً الإنسان/19
قال ابن كثير رحمه الله: أي: يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة، مخلدون: أي: على حالة واحدة، مخلدون عليها لا يتغيرون عنها؛ لا تزيد أعمارهم عن تلك السن. قال ابن عباس رضي الله عنهما: غلمان لا يموتون.
قال ابن القيم رحمه الله: قال أبو عبيدة والفراء: مخلدون: لا يهرمون ولا يتغيرون؛ قال: والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط: إنه لمخلد، وإذا لم تذهب أسنانه من الكبر قيل: هو مخلد.
وقوله تعالى في وصفهم، في سورة الإنسان: إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا أي: إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة، وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم، حسبتهم لؤلؤا منثورا، ولا يكون التشبيه أحسن من هذا، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن.
قال ابن القيم رحمه الله: وشبههم سبحانه باللؤلؤ المنثور لما فيه من البياض وحسن الخلقة. وفي كونه منثورا فائدتان:
إحداهما: الدلالة على أنهم غير معطلين، بل مبثوثون في خدمتهم وحوائجهم.
الثانية: أن اللؤلؤ إذا كان منثورا، ولاسيما على بساط من ذهب أو حرير، كان أحسن لمنظره وأبهى، من كونه مجموعا في مكان واحد.
وقد اختلف العلماء فيمن يكون هؤلاء الولدان:
فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والحسن البصري أن المراد بالولدان هنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة.
وروي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة.
قال الحسن: لم يكن لهم حسنات يجزون بها، ولا سيئات يعاقبون عليها، فوضعوا في هذا الموضع. قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولا أصل لهذا القول. " مجموع الفتاوى " (4/279). وقال ابن القيم رحمه الله: وقد روى في ذلك حديث لا يثبت.
وقيل: إن هؤلاء الولدان أنشأهم الله لأهل الجنة، يطوفون عليهم كما شاء، من غير ولادة.
وهذا القول الأخير هو الذي ارتضاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. فقد سئل رحمه الله: عن الولدان: هل هم ولدان أهل الجنة؟
فأجاب: الولدان الذين يطوفون على أهل الجنة خلق من خلق الجنة؛ ليسوا بأبناء أهل الدنيا بل أبناء أهل الدنيا إذا دخلوا الجنة يكمل خلقهم كأهل الجنة؛ على صورة آدم أبناء ثلاث وثلاثين سنة، في طول ستين ذراعا. وقد روي أيضا أن العرض سبعة أذرع. انظر: مجموع الفتاوى: 4/312
واستظهر ابن القيم رحمه الله هذا القول أيضا. قال: والأشبه أن هؤلاء الولدان مخلوقون من الجنة، كالحور العين، خدما لهم وغلمانا...، وهؤلاء غير أولادهم؛ فإن من تمام كرامة الله تعالى لهم أن يجعل أولادهم مخدومين معهم، ولا يجعلهم غلمانا لهم.
والله أعلم.