هل يمكنكم أن ترتبوا كتب السنن ترتيبًا من الأصح إلى الأضعف، كالكتب التسعة، وصحيح ابن خزيمة، وابن حبان، ومستدرك الحاكم، والسنن الكبرى للبيهقي، وسنن الدارقطني، وسنن سعيد بن منصور، ومسند الحميدي، ومسند إسحاق بن راهويه، ومعاجم الطبراني، وغيرها من كتب السنن والمسانيد؛ لأن هذا الأمر بحثت عنه، ولم أجد أحدًا رتب هذا الكتب ترتيبًا من الصحيح إلى الأصح بعد صحيحي البخاري ومسلم؟
الحمد لله.
ترتيب كل كتب متون السنة ترتيبا حسب الأصحية، هو أمر يحتاج إلى دراسات متعمقة وشاملة لجميع متون هذه المصنفات، للوصول إلى نسبة الصحيح في كل واحد من هذه المصنفات ثم المقارنة بينها، وهذا أمر يحتاج إلى لجان ودراسات متخصصة.
كما أن هذا الترتيب – فيما يبدو لنا - ضئيل الفائدة وقليل الجدوى، لأن أي مصنف ما عدا الصحيحين، حتى وإن حكمنا عليه بأنه أصح من غيره، فهذا لا يعطي حكم الصحة لجميع أحاديثه، فلمعرفة الصحيح من أحاديثه لا بد من دراسة كل حديث على انفراد.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" فسبيل من أراد أن يحتج بحديث من السنن أو بأحاديث من المسانيد واحد؛ إذ جميع ذلك لم يَشترط من جمعه الصحة ولا الحسن خاصة.
فهذا المحتج: إن كان متأهلا لمعرفة الصحيح من غيره، فليس له أن يحتج بحديث من السنن من غير أن ينظر في اتصال إسناده، وحال رواته، كما أنه ليس له أن يحتج بحديث من المسانيد حتى يحيط علما بذلك.
وإن كان غير متأهل لدرك ذلك: فسبيله أن ينظر في الحديث إن كان خرج في الصحيحين، أو صرح أحد من الأئمة بصحته، فله أن يقلد في ذلك.
وإن لم يجد أحدا صححه ولا حسنه: فما له أن يقدم على الاحتجاج به فيكون كحاطب ليل؛ فلعله يحتج بالباطل وهو لا يشعر» انتهى من "النكت" (1/449).
لكن النافع هو معرفة مراتب هذه الدواوين من حيث الاعتناء بحفظها ودراستها والتفقه فيها.
فالمرتبة الأولى:
تضم الصحيحين؛ لإجماع الأمة على صحة أغلب متونهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ولكن جمهور متون الصحيحين متفق عليها بين أئمة الحديث تلقوها بالقبول، وأجمعوا عليها، وهم يعلمون علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها " انتهى من "مجموع الفتاوى" (1 /257).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" وأهل الحديث متفقون على أحاديث الصحيحين، وإن تنازعوا في أحاديث يسيرة منها جدا، وهم متفقون على لفظها ومعناها، كما اتفق المسلمون على لفظ القرآن ومعناه " انتهى من "الصواعق المرسلة" (2/655).
المرتبة الثانية:
ثم يليهما الأحاديث المتصلة في "موطأ الإمام مالك"، فهو لم ينزل عن رتبة الصحيحين إلا بسبب ما ورد فيه من الأسانيد المنقطعة، كالمراسيل والبلاغات.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" رتبة "الموطّأ" أن يذكر تلو "الصّحيحين" مع "سنن أبي داود" و"النّسائيّ" ، وإنّ "للموطّأ" لوقعا في النّفوس، ومهابة في القلوب لا يوازِنها شيء " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (18/203).
ويدخل في هذه المرتبة السنن الأربعة، وأعلاها سنن النسائي وأبي داود، ويليهما سنن الترمذي.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" بإخراج الترمذي لحديث المصلوب والكلبي وأمثالهما: انحطت رتبة جامعه عن رتبة سنن أبي داود، والنسائي " انتهى من "تاريخ الإسلام" (3/936).
ثم "سنن ابن ماجه".
المرتبة الثالثة:
المصنفات المخصصة لجمع الصحاح والسنن غير ما سبق.
كصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، وهما مقدمان في الصحة على "مستدرك الحاكم"، وإن قصد الاستدراك على الصحيحين.
قال شمس الدين السخاوي رحمه الله تعالى:
" - قال - الحازمي: ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم، وكذا قال العماد ابن كثير: قد التزم ابن خزيمة وابن حبان الصحة، وهما خير من "المستدرك" بكثير، وأنظف أسانيد ومتونا، وعلى كل حال؛ فلا بد من النظر للتمييز " انتهى من "فتح المغيث" (1/56).
فالحاكم رحمه الله تعالى صنيعه في "المستدرك" موصوف بالتساهل.
قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى:
" واعتنى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين، وجمع ذلك في كتاب سماه "المستدرك"، أودعه ما ليس في واحد من "الصحيحين"، مما رآه على شرط الشيخين، قد أخرجا عن رواته في كتابيهما، أو على شرط البخاري وحده، أو على شرط مسلم وحده، وما أدى اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما.
وهو واسع الخطو في شرط الصحيح، متساهل في القضاء به " انتهى من "مقدمة ابن الصلاح" (ص 88).
ومن السنن؛ "سنن سعيد بن منصور" و"سنن الدارمي" ويسمى "المسند".
ويجب التنبه إلى أن "سنن الدارقطني" يختلف عن سائر "السنن"؛ فالدارقطني رحمه الله تعالى لم يقصد جمع الصحيح والحسن في كتابه، وإنما قصد جمع الأحاديث التي يوجد فيها مقال أو علة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"كتاب الدارقطني، وهو قصد به غرائب السنن؛ ولهذا يروي فيه من الضعيف والموضوع ما لا يرويه غيره، وقد اتفق أهل العلم بالحديث على أن مجرد العزو إليه لا يبيح الاعتماد عليه" انتهى من "مجموع الفتاوى" (27/166).
المرتبة الرابعة:
سائر المصنفات الحديثية من مسانيد ومعاجم وغيرها؛ فإن مصنفيها كان مقصدهم الجمع، وليس الانتقاء، كحال أصحاب الصحاح والسنن.
وأجل هذه الكتب "مسند الإمام أحمد".
قال الصنعاني رحمه الله تعالى:
" وألف "المسند الكبير" أعظم المسانيد، وأحسنها وضعا وانتقادا [ لعل الصواب انتقاء] " انتهى من "سبل السلام" (1/86).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" ومسند أحمد ادعى قوم فيه الصحة، وكذا في شيوخه، وصنف الحافظ أبو موسى المديني في ذلك تصنيفا.
والحق أن أحاديثه غالبها جياد، والضعاف منها إنما يوردها للمتابعات، وفيه القليل من الضعاف الغرائب الأفراد، أخرجها ثم صار يضرب عليها شيئا فشيئا، وبقى منها بعده بقية ... " انتهى من "تعجيل المنفعة" (1/ 240 – 241).
وأما معاجم الطبراني فتكثر فيها الغرائب وخاصة "الأوسط".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"وقال أبو بكر بن أبي علي: كان الطبراني واسع العلم، كثير التصانيف، وقيل: ذهبت عيناه في آخر عمره رحمه الله تعالى.
وقد عاب عليه إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي جمعه الأحاديث الأفراد، مع ما فيها من النكارة الشديدة والموضوعات، وفي بعضها القدح في كثير من القدماء من الصحابة، وَغيرهم.
وهذا أمر لا يختص به الطبراني، فلا معنى لإفراده باللوم، بل أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلم جرا، إذا ساقوا الحديث بإسناده، اعتقدوا انهم برئوا من عهدته، والله أعلم " انتهى. "لسان الميزان" (4 / 128).
ولمزيد الفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (316305 )، ورقم: (21523).
والله أعلم.