تقدم لي رجل مغترب بأوروبا ، في البداية وبعد الاستخارة كنت موافقة، وأمورنا تمام بناءا على ما رأيته منه من التزام في الصلاة، وقراءة القرآن، وأخلاقه عالية، محترم غير بذيء في كلامه، حسب ما ظهر لي، لا يسيء الكلام عندما نختلف، ومن هذا القبيل، إلا إنه منذ فترة أكثر من شهر، اكتشفت بأن لديه ابن زنا، عمره ما يقارب السنة، واعترف لي بأنه كان في علاقة مع فتاة أجنبية مسيحية، لفترة لم تصل لثلاثة أشهر، وأنه تركها عندما شعر بأنه يفعل ذنبا عظيما، ويمشي في طريق خاطئ، وأنه تاب، وعزم على أن تكون أول وآخر مرة يمشي في هذا الطريق، ولكن الفتاة حملت، ولم تخبره بذلك، وتفاجئ بوصول بريد يخبره بأن لديه ابن، والمحكمة تطالبه بمبلغ مالي شهري، هو شخص محترم، وهذا واضح جدا عليه، بار بوالديه وأهله، يرغب بالزواج منذ أكثر من ٦ سنوات، ولكن لم يجد الفتاة المناسبة، والآن عمره على مشارف الأربعين، أكبر مني ب١٢ سنة، الآن أنا لا أعرف ما التصرف الصحيح الذي يجب أن أفعله؟ ولا أعرف ما تبعات هذا الأمر، وتأثيره على علاقتنا، وزواجنا مستقبلا، لا أعلم هل أستمر معه بناءا على الأمور الجيدة التي رأيتها به، أم أن ذنب الزنا هذا كبير، ويجب أن أرفضه؟ أسألتي كالتالي: ١. بماذا تنصحوني، هل استمر معه بطريق الزواج مع الإكثار من الاستخارة؟ ٢. إذا ارتضيته لي كزوج، ما المطلوب مني شرعا من ناحية ابنه في الزنا؟ ومن ناحيته هو كزوج في هذا الموضوع؟ ٣. ما المطلوب من الأب شرعا اتجاه ابن الزنا؟ هل يجب أن يرعاه ويربيه؟ علما أن الأم مسيحية، ولا ترغب منه شيئا من الرعاية سوى مبلغ شهري للطفل؟
الحمد لله.
أولا :
من اقترف شيئا من الذنوب والخطايا، ثم تاب واستقام وحسنت توبته: فإن الله تعالى يغفر له ذنبه ويمحو عنه ، كأنه لم يكن، روى ابن ماجة (3427) عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ وحسنه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجة" .
وعلى هذا ، فلا ينبغي النظر في ماضي هذا الشخص ، وإنما ينظر إلى حاله الآن ، فإن كان مستقيما وصاحب دين وخلق فإنه يصلح أن يكون زوجا لك ، بعد استشارة أهلك ، واستخارة الله تعالى.
غير أننا ننصحك بألا تكتفي بما ظهر لك منه من أخلاقه، فإن اللقاءات التي تكون بينكما قبل الزواج، ربما لا تعكس صورة صادقة وكاملة لأخلاقه وأحواله؛ وإنما على وليك أن يسعى جاهدا في تعرف أحواله من الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، سواء في بلدكم، إن كان يقيم فيه مدة طويلة، أم في بلد غربته، إذا أمكن أن يتحسس أحواله وسلوكه هناك؛ فإن كانت أموره على السداد والاستقامة، لا سيما في زمنه الحاضر، فنرجو أن يكون أمره على خيره ، ويحمل حاله الآن على السلامة ، وعسى الله أن يتوب عليه فيما فات ، ويعينه على الاستقامة فيما هو آت.
ثانيا :
أما علاقته بهذا الولد ، فإنه لا يلزمه تجاهه شيء ، لأنه ليس ابنا له في النسب ، فلا يلزمه القيام بتربيته ولا النفقة عليه ولا يكون محرما لبناته ... ولا شيء من أحكام البنوة .
قال ابن حزم رحمه الله : "وَوَلَدُ الزِّنَى يَرِثُ أُمَّهُ، وَتَرِثُهُ أُمُّهُ، وَلَهَا عَلَيْهِ حَقُّ الْأُمُومِيَّةِ مِنْ: الْبِرِّ، وَالنَّفَقَةِ، وَالتَّحْرِيمِ، وَسَائِرِ حُكْمِ الْأُمَّهَاتِ -.
وَلَا يَرِثُهُ الَّذِي تَخَلَّقَ مِنْ نُطْفَتِهِ، وَلَا يَرِثُهُ هُوَ، وَلَا لَهُ عَلَيْهِ حَقُّ الْأُبُوَّةِ لَا فِي بِرٍّ، وَلَا فِي نَفَقَةٍ، وَلَا فِي تَحْرِيمٍ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْهُ أَجْنَبِيٌّ.
وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ إلَّا فِي التَّحْرِيمِ فَقَطْ" انتهى من "المحلى" (8/334).
أي: يحرم على هذا الولد أن يتزوج من بنات والده من الزنى ، ولكنه ليس محرما لهن.
إلا أن بعض العلماء يقول - وهو قول قوي- : إن الزاني إذا استلحق ابنه من الزنى: فإنه يلحقه ويثبت نسبه له، وتثبت الأحكام المتعلقة على النسب من وجوب النفقة عليه وتربيته والمحرمية وغير ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وإن استلحق ولده من الزنا، ولا فراش: لحقه، وهو مذهب الحسن وابن سيرين والنخعي وإسحاق" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/508).
وقوله: "ولا فراش": يعني: أن أمه ليست زوجة لرجل آخر، سوى الزاني.
وقد سبق بيان هذه المسألة بالتفصيل في جواب السؤال رقم: (192131).
ويقوى العمل بهذا القول: إذا كان بإمكانه أن يضم حضانة هذا الولد إليه، ويجعله على دين الإسلام، ويستنقذه من أمه النصرانية، ودينها، وأخلاقها.
والحاصل : أن هذا الرجل إذا لم يستلحق هذا الولد ولم ينسبه إليه ، فلا يلزمه تجاهه شيء، ولا يكون ابنا له.
وإن استلحقه فهو ابنه يلزمه النفقة عليه، والقيام على تربيته ويكون محرما لك ولبناته، ويرث كل منهما الآخر.
والله أعلم .