أنا أخي كان يحتاج لسيارة، وليس لديه مال، وأتاني لكي أشتري سيارة له من معرض بمبلغ كاش محدد سعره، وأبيعها له على شكل أقساط شهرية بفوائد ربح بالتراضي بين الطرفين، وقمت بتحويل مبلغ السيارة كاش له؛ ليقوم بشراءها من المعرض، ونقلها مباشرة باسمه،لأنني لا أعرف بالبيع والشراء، وكان قبل شراء السيارة بيننا اتفاق شفهي، وتم كتابة العقد وتوثيقه بعد ما نقلت السيارة باسم أخي فهل البيع فيه شيء؟ وهل أبطل العقد، وأخذ رأس مالي في حال إن وجد شيء بالبيع، مع العلم إنه مضى على عقد البيع سنتان؟
الحمد لله.
أولا:
يجوز للراغب في سيارة مثلا أن يطلب من غيره أن يشتريها، ثم يبيعها له بالتقسيط بربح معين، وهذا ما يسمى ببيع المرابحة للآمر بالشراء، وهو بيع جائز إذا توفرت فيه الشروط التالية:
1-أن يشتري صاحب المال السيارة لنفسه.
2-أن يقبضها وينقلها من محل بائعها الأول، قبل أن يبيعها للراغب في الشراء.
فإذا اشترى السيارة ثم باعها قبل أن يقبضها ويحوزها، كان ذلك مخالفا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: إِذَا اشْتَرَيْتَ مَبِيعاً فَلا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ رواه أحمد (15316)، والنسائي (4613)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم: (342) .
وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت "أن النبي صلى الله عليه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
ولا فرق في ذلك بين الطعام وغيره، وهذا مذهب الشافعية والظاهرية، ورواية عن أحمد، وهو قول محمد بن الحسن، وزفر من الحنفية، ويروى عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وهو المفتى به عندنا.
وفي الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ رواه البخاري (2133)، ومسلم (1525) وزاد: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (9/264): " مذهبنا : أنه لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه، عقارا كان أو منقولا ، لا بإذن البائع ولا بغير إذنه ، لا قبل أداء الثمن ولا بعده" انتهى.
وقبض كل شيء بحسبه، وقبض المنقول يكون بنقله.
فقبض السيارة: أن تنقل من محلها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك: يحصل بنقلها؛ لأن هذا هو العرف" انتهى من "الشرح الممتع" (8/381 ).
ثانيا:
الأصل أن تشتري السيارة بنفسك، أو توكل من يشتريها لك غير الزبون الذي يريدها.
لكن إذا لم يمكنك ذلك واحتجت إلى هذه المعاملة، فيجوز أن توكل الزبون في شراء السيارة لك، فإذا أحضرها، وعاينتها، بعتها له.
واعلم أن السيارة تكون أمانة في يده حتى يتم بيعها له، فإن هلكت بغير تعد أو تفريط فلا شيء عليه، وإنما تهلك عليك، لأنها من ضمانك.
جاء في "المعايير الشرعية"، ص 112: " الأصل أن تشتري المؤسسة السلعة بنفسها مباشرة من البائع، ويجوز لها تنفيذ ذلك عن طريق وكيل غير الآمر بالشراء، ولا تلجأ لتوكيل العميل (الآمر بالشراء) إلا عند الحاجة الملحّة. ولا يتولى الوكيل البيع لنفسه، بل تبيعه المؤسسة بعد تملكها العين، وحينئذ يراعى ما جاء في البند 3/ 1/5".
وهو: "يجب الفصل بين الضمانين: ضمان المؤسسة، وضمان العميل الوكيل عن المؤسسة في شراء السلعة لصالحها، وذلك بتخلل مدة بين تنفيذ الوكالة وإبرام عقد المرابحة للآمر بالشراء".
وجاء فيها ص 125: " مستند أولوية أن يكون الوكيل عند حاجة المؤسسة للتوكيل شخصا غير الآمر بالشراء: هو الابتعاد عن الصورية والالتباس بأن التملك هو لصالح الآمر بالشراء، ولكي يظهر دور المؤسسة في العملية، وللفصل بين الضمانين: ضمان المؤسسة وضمان الآمر بالشراء بعد البيع ...
مستند وجوب كون عقد توكيل العميل مستقلا عن عقد الشراء بالمرابحة هو: خشية توهم الربط بين عقد التوكيل وعقد الشراء بالمرابحة" انتهى.
ثالثا:
بناء على ما تقدم:
1-فإذا كان أخوك قد اشترى السيارة لك، ثم قمت ببيعها له بعد قبضها وإخراجها من المعرض، فالبيع صحيح، ولا يضر كون المعرض قد كتب البيع باسم أخيك؛ فإنه يجوز أن يظهر الوكيل على أنه أصيل، ويتم البيع باسمه وهو في حقيقة الأمر لموكله، لكن يكون الوكيل ضامنا حينئذ، ولما في ذلك من توفير المال بعدم تسجيل السيارة مرتين، مرة باسمك، ثم مرة باسم أخيك.
قال في "الفروع" (7/52): "وقال شيخنا فيمن وكل في بيع أو شراء أو استئجار: فإن لم يسم موكله في العقد: فضامن، وإلا فروايتان، وأن ظاهر المذهب يضمنه" انتهى.
وجاء في "الدليل الشرعي للمرابحة"، للدكتور عز الدين خوجة، ص 161: " يجوز للبنك أن يكتفي بالعقد الذي يتحقق به نقل الملكية، ويقوم بتسجيل المبيع باسم المشتري؛ حتى لا تتم إجراءات التسجيل مرتين، مرة باسم البنك عند شراء السعة لنفسه، ومرة باسم المشتري بعد إجراء عقد المرابحة، وبهذا يتم تبسيط الإجراءات من ناحية، وتخفيض التكاليف من ناحية أخرى" انتهى.
وينظر: جواب السؤال رقم: (325516).
2-وإذا كان أخوك قد اشترى السيارة لنفسه: فبيعك له لا يصح، وعليه أن يفسخ البيع مع المعرض، ثم تشتري السيارة وتقبضها وتحوزها، ثم تبيعها عليه.
فإن لم يتمكن أخوك من الفسخ مع المعرض – وهذا هو الغالب- ، فلا يحل لك أن تأخذ ربحا؛ إذ حقيقة الأمر أنك أقرضته ثمن السيارة، فلا يجوز أن تشترط زيادة على ذلك؛ لأنه ربا.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/ 241): " وأجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم: أن اشتراط الزيادة في السلف ربا، ولو كان قبضةً من علف - كما قال ابن مسعود - أو حبة واحدة" انتهى.
وإذا كان قد مضى على العقد سنتان ، فإن أخاك لن يمكنه الفسخ، وعليه ؛ فإنك تأخذ رأس مالك فقط دون ربح؛ لأنك مقرض ، والبيع لم يصح.
والله أعلم.