كتب كتابي يوم الجمعة ١٣ /١٠، وبنفس اليوم خطيبي قال لي: أنت طالق، وكان يمزح بدون قصد، فهل الطلاق وقع، مع العلم لم يتم ثببت العقد بنفس اليوم، لأنه كان عطلة؟
الحمد لله.
أولا :
لا يجوز الهزل بالطلاق والنكاح ، فإن الله تعالى عظم شأنهما ، وسمى الله تعالى عقد النكاح (مِيثَاقاً غَلِيظاً) النساء/21 .
ثانيا :
ذهب جمهور العلماء إلى أن الزوج إذا طلق هازلا ، وقع طلاقه، وقد دلت على ذلك السنة النبوية، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم.
قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر الحديث الوارد في ذلك، وبعض أقوال الصحابة، قال:
" تضمنت هذه السنن : أن المكلف إذا هزل بالطلاق أو النكاح أو الرجعة : لزمه ما هزَل به" انتهى من "زاد المعاد" ( 5/ 204 - 205 ).
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (10/461) :
"يقع الطلاق من الجاد ومن الهازل" انتهى .
وينظر السؤال رقم: (44038) .
وعلى هذا ، فالطلاق الذي تلفظ به الزوج واقع، ومحسوب عليه ، وللزوجة حقوقها كاملة ، من المهر المقدم والمؤخر .
وكون النكاح تم تثبيته في الأوراق الرسمية أو لم يتم ذلك: لا يختلف به الحكم ، لأن النكاح يصح بالإيجاب والقبول ، ولا يشترط تثبيته ، وإنما التسجيل في الأوراق الرسمية من أجل حفظ الحقوق فقط.
ثالثا :
إذا طلقت المرأة ولم يكن زوجها قد دخل بها ، وإنما كان قد عقد عليها فقط ، فلها نصف المهر المسمى في العقد ، سواء المقدم منه والمؤخر .
ثم إنه ليس له عليها عدة ، لقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً الأحزاب/49 .
وإذا لم تكن عليها عدة ، فليس له رجعة عليها ، لأن الرجعة إنما تكون في زمن العدة ، وهذه لا عدة عليها .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"الرَّجْعَة إنَّمَا تَكُونُ فِي الْعِدَّةِ ، وَلَا عِدَّةَ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ، فَتَبِينُ بِمُجَرَّدِ طَلَاقِهَا" انتهى من "المغني" (10/548) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
والدليل على أنه إذا طلق المرأة قبل الدخول بانت منه، وما له عليها عدة ... ثم استدل بالآية نفسها" انتهى من "الشرح الممتع" (13/102) .
رابعا :
إذا أراد أن يردها إلى عصمته فلا يكفي قوله : رددتك أو أرجعتك ، لأنه لا رجعة له عليها – كما سبق- وإنما يعقد عليها عقدا جديدا ، بولي وشاهدين ومهر ، ولا يكون ذلك إلا برضاها .
وإذا رأى وليها أن هذا الزوج متلاعب ، ولا يقدر النكاح حق قدره ، فله أن يرفض تزويجه .
قال ابن قدامة تكملة لكلامه السابق :
"وَإِنْ رَغِبَ مُطَلِّقُهَا فِيهَا ، فَهُوَ خَاطِبٌ مِنْ الْخُطَّابِ ، يَتَزَوَّجُهَا بِرِضَاهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ ، وَتَرْجِعُ إلَيْهِ بِطَلْقَتَيْنِ" انتهى من "المغني" (10/548).
ومعنى قوله : ترجع إليه بطلقتين : أن الطلقة السابقة تحسب عليه ، فلو تزوجها ثانية ، فلا يبقى له إلا طلقتان فقط.
والله أعلم .