هل تعطي زوجها توكيلاً بأموالها وهو لا يحسن التصرف في الأموال؟
سؤالي عن أبي الذي كان يملك مالاً وفيراً ، وكنا نعيش حياة طبيعية ، أما الآن فلا يملك سوى الشقتين اللتين سجلهما باسم أمي ، وهو الآن أصبح عديم المسؤولية - للأسف - ومازال يحلم أو يعتقد أنه يمتلك المال ولا يفكر بالعمل أبداً ، وعمره 55 سنة ، وللأسف رغم اعتراضي لأمي لقد أعطته وكالة بالشقتين رغم أنها تعلم من هو أبي ، وعندما أقول لها لمَ فعلتِ ذلك ؟ تقول : " مالُه وهو حر به ، فماذا أفعل ؟ هل أقف في وجهه بعد أن وقف العالم كله من أهله والناس ضده وتركوه لأنه خسر الأموال ؟ فماذا يقول عني ؟ "
معها حق ، لقد كان طيباً ولا يبخل عليها بشيء ولكن تقول " إن لم أفعل يطلقني ، كيف أقف في وجهه وهو من النوع العصبي ، صعب التفاهم معه "
ما رأيكم هل أمي على صواب بهذا ؟ وهل عليها العمل وعدم الاعتماد عليه - رغم أنها لا تريد ، وتقول إنه سوف يعتمد عليها - ؟ والآن لقد باع إحداهما ويصرف المال يميناً وشمالاً على الناس وينسى أن له تسعة أبناء ، رغم أنها تذكره بنا لأنه يعيش ببلد ونعيش ببلد ، يتذكر للحظة ثم ينسى الهموم ويعود للأحلام ، بماذا تنصحون قبل أن يبيع الأخرى ونندم ؟ وهي وأبي الآن في شجارات قوية لتصرفاته اللامبالية ، وربما يؤدي للطلاق ، وأريد أن أعرف هل أبي مريض نفسيّاً أم ما حكايته ؟ وما العمل معه ؟ أنا محتارة ، ساعدوني ، فالأسرة تتدمر .
الجواب
الحمد لله.
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وصرفه في غير الوجه النافع .
فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن
الله كره لكم ثلاثاً : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال )
رواه البخاري ( 1407 ) ومسلم ( 593 )
.
وسوء التصرف في المال يعتبره أهل العلم فساداً , كما ترجم الإمام البخاري بابا في
ذلك فقال : " باب ما يُنهى عن إضاعة المال , وقول الله تبارك وتعالى : ( والله لا
يحب الفساد ) .
" فتح الباري " ( 5 / 68 ) .
وقد يكون الإنسان عاقلاً , ولكنه لا يحسن التصرف في المال , بل يضيعه وينفقه في غير
منفعة , وهذا يسميه العلماء ( سفيهاً ) فلا يجوز إعطاؤه المال , بل يمنع من التصرف
فيه , لقوله تعالى : ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ
اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ) النساء/5
.
قال القرطبي رحمه الله :
" ودلت الآية على جواز الحجر على السفيه ؛ لأمر الله عز وجل بذلك في قوله : ( ولا
تؤتوا السفهاء أموالكم ) وقال : ( فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً ) ،
فأثبت الولاية على السفيه كما أثبتها على الضعيف ، وكان معنى الضعيف راجعا إلى
الصغير , ومعنى السفيه إلى الكبير البالغ " انتهى .
" تفسير القرطبي " ( 5 / 30 ) .
وقال ابن حجر رحمه الله :
" قوله تعالى : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ........ ) الآية ، قال الطبري - بعد
أن حكى أقوال المفسرين في المراد بالسفهاء - : " الصواب عندنا أنها عامة في حق كل
سفيه صغيراً كان أو كبيرا , ذكراً كان أو أنثى ، والسفيه هو الذي يضيع المال ويفسده
بسوء تدبيره " انتهى .
وقال - أيضاً - :
" والحَجر في الشرع : المنع من التصرف في المال ، فتارة يقع لمصلحة المحجور عليه (
الإنسان ) ، وتارة المحجور ( المال ) ، والجمهور على جواز الحجر على الكبير "انتهى
.
" فتح الباري " ( 5 / 68 )
.
فإذا كان والدك لا يحسن التصرف في المال , بل يضيعه في غير منفعة فيجب الحجر عليه ,
ولا يجوز تمكينه من المال , وعلى أمك أن تلغي الوكالة التي أعطته إياها , حفاظاً
على أموالكم من الضياع , وأنتم محتاجون إليها .
وعليكم بنصيحته وإعادته إلى رشده بالتذكرة والكلمة الطيبة والوعظ الذي يجعله يندم
على ما فرط فيه من مال ، ويحافظ على ما بقي لديه منه .
وتذكيره بالأحاديث التي تزجره عن إضاعة المال , وتذكيره بأن الله حمَّله أمانة
رعايتكم ، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( كفى بالمرء إثما أن يضيع
من يقوت ) رواه أبو داود ( 1692 ) وحسنه
الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1965 ) .
قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه
الله :
" قال الخطابي : يريد من يلزمه قوته ، والمعنى : كأنه قال للمتصدق : لا يتصدق بما
لا فضل فيه عن قوت أهله يطلب به الأجر , فينقلب ذلك الأجر إثما إذا أنت ضيعتهم "
انتهى .
" عون المعبود " ( 5 / 76 ) .
فإذا كان هذا في حق المتصدق فكيف بغيره ممن يضيع المال في غير منفعة .
والله أعلم