يهدده بالانتحار إن لم يفعل به الفاحشة
أنا شاب أبلغ من العمر 24 عاماً ، وتربطني علاقة مع شاب بلغ من العمر 29 ، وعمر صداقتنا حوالي 10 سنوات تقريبا , في البداية كانت العلاقة على ما يرام ، ولم تكن هناك أي مشاكل ، وما إن وصل عمر صداقتنا إلى الخمس سنوات حتى انقلبت الدنيا على رأسي ، وبدأ صديقي يطلب مني أن يلامسني جنسيّاً ! ورفضت ، وقاومت ، رغم الضغوط التي واجهني بها ، وكنت أتحملها ، ولكن بعد فترة قام يهددني بالانتحار ، وبالفعل حاول فعلها مرات عديدة عندما رفضت الفعل الذي يريده ، ولكنني لم أصمد تجاه ما أراده ، فقد شاهدته يسكب البنزين ، ويشعل النار ، ويهددني ، ولولا رضوخي وبكائي لفعلها ! وبين كل فترة يعيد نفس الفعل ، ويقول لي هذه آخر مرة ، وأعدك بأن أترك هذا الفعل ، ولكن بعد فترة يخون ، ولا يترك الفعل المشين هذا ، وأقوم بمقاومته ، ولكن يواجهني بالانتحار ، فمرة يسكب الزيت لكي يحرق نفسه ، ومرة يشرب الغراء – مادة لاصقة - ، ومرة يريد أن يرمي نفسه من فوق المنزل ، ومرة بالسكين ..... الخ ، وكل مرة يقول : إني سأترك ، ولا يترك هذا الفعل ، فلا أعلم هل هو مريض نفسيّاً أو مصاب بسحر ، أو ، أو ، والعلم عندكم ، فأنا كرهته ، ولا أريد أن أصاحبه ، ولو لا تهديده بالانتحار لتركته ، ولكنه يهددني دائما بالانتحار ، ودائما يحاول أمام عيني أن ينتحر ، ولكنني أمتنع ، واخضع لطلباته الجنسية .
فأرجو منكم النظر في مشكلتي ، ومساعدتي في أقرب وقت ممكن ؛ لان التأخر قد يجعل حياته وحياتي في خطر .
أرجوك دكتور أن تعالجني .
الجواب
الحمد لله.
إنا لله وإنا إليه راجعون ، من يعش في هذا الزمان يسمع ويرى عجباً ، ونحن في غاية
العجب منك أخي السائل عندما تريد منا النصيحة والمشورة ، فهل ستظننا نوافق على أن
تبذل عرضك لمجرم خسيس الهمة ، منتكس الفطرة ؟! وهل سننصحك بالبقاء معه ومصاحبته ؟!
.
إن الذي يلزمك الآن ودون أدنى تردد أن تهجر هذا المجرم الخسيس ، وألا ترى عينك
عينه.
واعلم أن ما فعلتَه من تسليم نفسك له منكر شنيع ، وكبيرة من كبائر الذنوب ، وأنه لا
عذر لك في كونه سينتحر ، وهل حياة ذلك الخسيس أعظم عندك من عرضك ؟! إنه مستحق للقتل
أصلاً من أول مرة فعل ذلك الفعل الشنيع ، ولو أنه انتحر وقتل نفسه لكان في ذلك
إراحة للمجتمع من شره ، وإن كانت توبته أحب إلينا ، لكننا لا نراه حريصاً عليها ولا
مهتما بها .
فاعلم أيها السائل أن هذا الرجل لو قتلك أنت فهو خير لك من مثل هذه الحياة التي
تميتك في كل لحظة ، فكيف لا ترضى أن يكون المقتول هو نفسه ؟! .
قال ابن كثير رحمه الله :
ولأن يُقتل المفعول به خير من أن يُؤتى في دبره ؛ فإنه يُفسَد فساداً لا يُرجى له
بعده صلاح أبداً ، إلا أن يشاء الله .
" البداية والنهاية " ( 9 / 184 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
ولَأَن يقتل المفعول به خيرٌ له من أن يُؤتى ؛ فإنه يَفسد فساداً لا يرجى له بعده
صلاح أبداً ، ويَذهب خيرُه كله ، وتمص الأرضُ ماء الحياء من وجهه ، فلا يستحيي بعد
ذلك لا من الله ولا من خلقه ، وتعمل في قلبه وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم في
البدن .
" الجواب الكافي " ( ص 115 ) .
وقال أيضاً:
وقتل المفعول به خيرٌ له من وطئه ؛ فإنه إذا وطئه الرجل قتله قتلاً لا تُرجي الحياة
معه ، بخلاف قتله ؛ فإنه مظلوم شهيد ، وربما ينتفع به في آخرته .
" الجواب الكافي " ( ص 119 ) .
لكن هذا لا يعني أن الله تعالى لا
يقبل توبتك ، بل إننا نذكر لك هذا لنبين لك عظَم ما اقترفت من ذنب ، وقبح ما فعلتَ
من معصية ، حتى إن بعض العلماء يقول بأنه لا يدخل الجنة مفعول به ! .
قال ابن كثير رحمه الله :
وقد اختلف الناس : هل يدخل الجنة مفعول به ؟ على قولين ، والصحيح في المسألة أن
يقال : إن المفعول به إذا تاب توبة صحيحة نصوحاً ، ورُزق إنابةً إلى الله وصلاحاً ،
وبدَّل سيئاته بحسنات ، وغسل عنه ذلك بأنواع الطاعات ، وغض بصره ، وحفظ فرجه ،
وأخلص معاملته لربه : فهذا - إن شاء الله - مغفور له ، وهو من أهل الجنة ، فإن الله
يغفر الذنوب للتائبين إليه ( وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )
الحجرات/11
، ( فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ
عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )
المائدة/39 ، وأما مفعول به صار في
كبَره شرّاً منه في صغره : فهذا توبته متعذرة ، وبعيدٌ أن يؤهل لتوبة صحيحة ، أو
لعمل صالح يمحو به ما قد سلف ، ويخشى عليه من سوء الخاتمة ، كما قد وقع ذلك لخلقٍ
كثيرٍ ماتوا بأدرانهم وأوساخهم ، لم يتطهروا منها قبل الخروج من الدنيا ، وبعضهم
خُتم له بشرِّ خاتمة ، حتى أوقعه عشق الصور في الشرك الذي لا يغفره الله .
وفي هذا الباب حكايات كثيرة وقعت للوطية وغيرهم من أصحاب الشهوات ، يطول هذا الفصل
بذكرها .
" البداية والنهاية " ( 9 / 184 ) .
والواجب عليك بعد هجره بالكلية :
أن تتوب إلى الله تعالى توبة صادقة لا شائبة فيها ، ومن تمام توبتك البعد عنه
محادثته ومراسلته ومشاهدته ، والواجب عليك – أيضاً – تحذير الذين يعرفهم ويصاحبهم
من شره وكيده ، ولو بإخبار آبائهم وأهاليهم ، وليكن ذلك من غير طريقك لسببين :
الأول : أن لا يتعرض لك بالأذى والضرر ، والثاني : أنه قد يتكلم في عرضك ، ويفضحك
بين الذين تحذِّرهم منه ، وليس ذلك عنه ببعيد .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لتوبة صادقة ، وأن ييسر لك الهدى والتوفيق ، وأن يطهر
قلبك وجوارحك من الإثم والعصيان .
وانظر جواب السؤال رقم (
27176 ) ففيه
أربع مسائل هي : قبح وشناعة فاحشة اللواط ، والآثار المترتبة عليها من حيث المخاطر
الصحية ، وبيان سعة رحمة الله للتائبين ، وطرق العلاج لمن ابتلي بهذه الفاحشة .
والله الموفق