الحمد لله.
إنا لله وإنا إليه راجعون ، من يعش في هذا الزمان يسمع ويرى عجباً ، ونحن في غاية العجب منك أخي السائل عندما تريد منا النصيحة والمشورة ، فهل ستظننا نوافق على أن تبذل عرضك لمجرم خسيس الهمة ، منتكس الفطرة ؟! وهل سننصحك بالبقاء معه ومصاحبته ؟! .
إن الذي يلزمك الآن ودون أدنى تردد أن تهجر هذا المجرم الخسيس ، وألا ترى عينك عينه.
واعلم أن ما فعلتَه من تسليم نفسك له منكر شنيع ، وكبيرة من كبائر الذنوب ، وأنه لا عذر لك في كونه سينتحر ، وهل حياة ذلك الخسيس أعظم عندك من عرضك ؟! إنه مستحق للقتل أصلاً من أول مرة فعل ذلك الفعل الشنيع ، ولو أنه انتحر وقتل نفسه لكان في ذلك إراحة للمجتمع من شره ، وإن كانت توبته أحب إلينا ، لكننا لا نراه حريصاً عليها ولا مهتما بها .
فاعلم أيها السائل أن هذا الرجل لو قتلك أنت فهو خير لك من مثل هذه الحياة التي تميتك في كل لحظة ، فكيف لا ترضى أن يكون المقتول هو نفسه ؟! .
قال ابن كثير رحمه الله :
ولأن يُقتل المفعول به خير من أن يُؤتى في دبره ؛ فإنه يُفسَد فساداً لا يُرجى له بعده صلاح أبداً ، إلا أن يشاء الله .
" البداية والنهاية " ( 9 / 184 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
ولَأَن يقتل المفعول به خيرٌ له من أن يُؤتى ؛ فإنه يَفسد فساداً لا يرجى له بعده صلاح أبداً ، ويَذهب خيرُه كله ، وتمص الأرضُ ماء الحياء من وجهه ، فلا يستحيي بعد ذلك لا من الله ولا من خلقه ، وتعمل في قلبه وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم في البدن .
" الجواب الكافي " ( ص 115 ) .
وقال أيضاً:
وقتل المفعول به خيرٌ له من وطئه ؛ فإنه إذا وطئه الرجل قتله قتلاً لا تُرجي الحياة معه ، بخلاف قتله ؛ فإنه مظلوم شهيد ، وربما ينتفع به في آخرته .
" الجواب الكافي " ( ص 119 ) .
لكن هذا لا يعني أن الله تعالى لا يقبل توبتك ، بل إننا نذكر لك هذا لنبين لك عظَم ما اقترفت من ذنب ، وقبح ما فعلتَ من معصية ، حتى إن بعض العلماء يقول بأنه لا يدخل الجنة مفعول به ! .
قال ابن كثير رحمه الله :
وقد اختلف الناس : هل يدخل الجنة مفعول به ؟ على قولين ، والصحيح في المسألة أن يقال : إن المفعول به إذا تاب توبة صحيحة نصوحاً ، ورُزق إنابةً إلى الله وصلاحاً ، وبدَّل سيئاته بحسنات ، وغسل عنه ذلك بأنواع الطاعات ، وغض بصره ، وحفظ فرجه ، وأخلص معاملته لربه : فهذا - إن شاء الله - مغفور له ، وهو من أهل الجنة ، فإن الله يغفر الذنوب للتائبين إليه ( وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) الحجرات/11 ، ( فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) المائدة/39 ، وأما مفعول به صار في كبَره شرّاً منه في صغره : فهذا توبته متعذرة ، وبعيدٌ أن يؤهل لتوبة صحيحة ، أو لعمل صالح يمحو به ما قد سلف ، ويخشى عليه من سوء الخاتمة ، كما قد وقع ذلك لخلقٍ كثيرٍ ماتوا بأدرانهم وأوساخهم ، لم يتطهروا منها قبل الخروج من الدنيا ، وبعضهم خُتم له بشرِّ خاتمة ، حتى أوقعه عشق الصور في الشرك الذي لا يغفره الله .
وفي هذا الباب حكايات كثيرة وقعت للوطية وغيرهم من أصحاب الشهوات ، يطول هذا الفصل بذكرها .
" البداية والنهاية " ( 9 / 184 ) .
والواجب عليك بعد هجره بالكلية : أن تتوب إلى الله تعالى توبة صادقة لا شائبة فيها ، ومن تمام توبتك البعد عنه محادثته ومراسلته ومشاهدته ، والواجب عليك – أيضاً – تحذير الذين يعرفهم ويصاحبهم من شره وكيده ، ولو بإخبار آبائهم وأهاليهم ، وليكن ذلك من غير طريقك لسببين : الأول : أن لا يتعرض لك بالأذى والضرر ، والثاني : أنه قد يتكلم في عرضك ، ويفضحك بين الذين تحذِّرهم منه ، وليس ذلك عنه ببعيد .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لتوبة صادقة ، وأن ييسر لك الهدى والتوفيق ، وأن يطهر قلبك وجوارحك من الإثم والعصيان .
وانظر جواب السؤال رقم ( 27176 ) ففيه أربع مسائل هي : قبح وشناعة فاحشة اللواط ، والآثار المترتبة عليها من حيث المخاطر الصحية ، وبيان سعة رحمة الله للتائبين ، وطرق العلاج لمن ابتلي بهذه الفاحشة .
والله الموفق
تعليق