هل يجوز الاشتراط على المقترض أن يدفع فرق سعر العملة إذا نقصت ؟
أنا طالب في إحدى الجامعات البريطانية ، وبصفتي طالب بريطاني فالحكومة ها هنا تعطيني قرضاً لكي أتم دراستي ، القرض هذا - كما يكتب في شروطه - أنه ليس بربوي يسقط بعد 25 عاماً من تاريخ أخذه ، لا يدفع إلا إذا أصبح الطالب يعمل ويتقاضى راتباً فوق الخمسة عشر ألف باوند ، لكنه فيه ما يعرف بالتضخم ، أي : إذا نزلت قيمة العملة بمقدار 0.01 بالمائة يجب عليَّ دفعها ، سألت كثيراً ، بعض هيئات الفتوى في أوروبا أفتاني بالجواز ، وكذا بعض المشايخ ، وبعض المشايخ أفتى بحرمة ذلك فلا أعلم فماذا أفعل ؟
الجواب
الحمد لله.
لا يجوز لمن استدان من أحدٍ مالاً أن يلتزم بإرجاع قيمته وقت القرض ، بل يجب عليه
أداء القرض بمثل ما أخذه لا بقيمته ، وهذا قول جمهور العلماء قديماً وحديثاً ، وهو
ما تفتي به المجامع الفقهية المعاصرة ، وهذا في حال أن تبقى العملة متداولة ، كما
هي ولو تغير سعر صرفها .
أما إذا ألغيت العملة بالكلية وصار الناس لا يتعاملون بها : فهنا للعلماء فيها
أقوال :
فمنهم من قال : على المدين القيمة وقت القرض .
ومنهم من قال : إن المعتبر قيمتها وقت المنع .
وقال آخرون : المعتبر قيمتها وقت الوفاء .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
" وأقرب شيء أن المعتبر : القيمة وقت المنع ؛ وذلك لأنه ثابت في ذمته " عشرة فلوس "
إلى أن مُنعت ، يعني : قبل المنع بدقيقة واحدة لو طلبه لأعطى عشرة فلوس ، ولكان
الواجب على المقرض قبولها ، فإذا كان كذلك : فإننا نقدرها وقت المنع "
انتهى
.
" الشرح الممتع " ( 9 / 104 ) .
هذا هو الحكم في حال إبطال العملة
، والعمل بغيرها ، أما إذا كانت العملة باقية ويتعامل بها الناس: فإن الواجب أداؤها
كما هي ، ولو تغير سعر صرفها بالنسبة لغيرها ، ولو اختلفت القوة الشرائية ، ولو حصل
تضخم ، وهذا نص قرار " مجمع الفقه الإسلامي الدولي " المنبثق عن " منظمة المؤتمر
الإسلامي " وهو كافٍ وافٍ في المسألة :
قرار رقم : 115 ( 9 / 12 ) :
بشأن موضوع
" التضخم وتغير قيمة العملة "
إن " مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي " المنبثق عن " منظمة المؤتمر الإسلامي " في
دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية ، من 25 جمادى الآخرة
1421هـ - 1 رجب 1421هـ ، الموافق 23 – 28 أيلول ( سبتمبر ) 2000 م .
بعد اطلاعه على البيان الختامي للندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم (
بحلقاتها الثلاث بجدة ، وكوالالمبور ، والمنامة ) وتوصياتها ، ومقترحاتها ، وبعد
استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من
الفقهاء .
قرر ما يلي :
أولاً : تأكيد العمل بالقرار السابق رقم 42 ( 4 / 5 ) ونصه :
" العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل ، وليس بالقيمة ؛ لأن الديون
تقضى بأمثالها ، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة ، أيّاً كان مصدرها بمستوى
الأسعار " .
ثانياً : يمكن في حالة توقع التضخم التحوط عند التعاقد بإجراء الدين بغير العملة
المتوقع هبوطها ، وذلك بأن يعقد الدين بما يلي :
أ. الذهب أو الفضة .
ب. سلعة مثلية .
ج. سلة ( مجموعة ) من السلع المثلية .
د. عملة أخرى أكثر ثباتاً .
هـ. سلة ( مجموعة ) عملات .
ويجب أن يكون بدل الدين في الصور السابقة بمثل ما وقع به الدين ؛ لأنه لا يثبت في
ذمة المقترض إلا ما قبضه فعلاً .
وتختلف هذه الحالات عن الحالة الممنوعة التي يحدد فيها العاقدان الدين الآجل بعملة
ما مع اشتراط الوفاء بعملة أخرى ( الربط بتلك العملة ) أو بسلة عملات ، وقد صدر في
منع هذه الصورة قرار المجمع رقم 75 ( 6 / 8)
ثالثاً : لا يجوز شرعاً الاتفاق عند إبرام العقد على ربط الديون الآجلة بشيء مما
يلي :
أ. الربط بعملة حسابية .
ب. الربط بمؤشر تكاليف المعيشة ، أو غيره من المؤشرات .
ج. الربط بالذهب أو الفضة .
د. الربط بسعر سلعة معينة .
هـ. الربط بمعدل نمو الناتج القومي .
و. الربط بعملة أخرى .
ز. الربط بسعر الفائدة .
ح. الربط بمعدل أسعار سلة من السلع .
وذلك لما يترتب على هذا الربط من غرر كثير ، وجهالة فاحشة ، بحيث لا يعرف كل طرف ما
له وما عليه ، فيختل شرط المعلومية المطلوب لصحة العقود .
وإذا كانت هذه الأشياء المربوط بها تنحو منحى التصاعد : فإنه يترتب على ذلك عدم
التماثل بين ما في الذمة وما يطلب أداؤه ، ومشروط في العقد : فهو ربا .
وهذا القرار من المجلس يوافق ما يفتي به علماء اللجنة الدائمة ، والشيخ عبد العزيز
بن باز ، والشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمهما الله - .
قال علماء اللجنة الدائمة :
يجب على المقترض أن يدفع الجنيهات التي اقترضها وقت طلب صاحبها ، ولا أثر لاختلاف
القيمة الشرائية ، زادت أو نقصت .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 14 / 146 ) .
وانظر جواب السؤال رقم (
23388 ) فسؤاله
مطابق لسؤالك ، ويكتمل الجواب بما ها هنا وهناك .
والله أعلم