الحمد لله.
أولاً :
التورك في الصلاة سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روى البخاري عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه : ( وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ ) .
والتورك له صفات ثابتة :
الصفة الأولى : أن يفرش رجله اليسرى ، وينصب اليمنى ، ويخرجهما من الجانب الأيمن ، ويجعل أليتيه على الأرض .
الصفة الثانية : أن يفرش القدمين جميعاً ، ويخرجهما من الجانب الأيمن ، ويجعل أليتيه على الأرض .
ثانياً :
اختلف أهل العلم رحمهم الله في موضع التورك في الصلاة ، فذهب الحنابلة : إلى أن التورك يكون في التشهد الأخير إذا كان في الصلاة تشهدان ، وأما إن كانت الصلاة ذات تشهد واحد ، كصلاة الفجر أو السنن التي تُصلى مثنى مثنى ، فإنه يجلس مفترشاً.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/364) : " ثُمَّ يَجْلِس فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي مِنْ ثُلَاثِيَّةٍ ، فَأَكْثَر مُتَوَرِّكًا ؛ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ ، فَإِنَّهُ وَصَفَ جُلُوسَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا ، وَفِي الثَّانِي مُتَوَرِّكًا , وَهَذَا بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا , وَزِيَادَة يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا , وَالْمَصِيرُ إلَيْهَا , وَحِينَئِذٍ لَا يُسَنَّ التَّوَرُّكُ ، إلَّا فِي صَلَاةٍ فِيهَا تَشَهُّدَانِ أَصْلِيَّانِ ، فِي الْأَخِيرِ مِنْهُمَا " انتهى .
وذهب الشافعية : إلى أن التورك مستحب في التشهد الأخير من الصلوات كلها ، سواء كانت ذات تشهدين أو تشهد واحد ؛ وذلك لعموم حديث أبي حميد المتقدم ، وفيه : ( وإذا جلس في الركعة الأخيرة ).
قال ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" : "وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَشَهُّد الصُّبْح كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِير مِنْ غَيْره ؛ لِعُمُومِ قَوْلُهُ : ( فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة ) " انتهى .
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/431) : " مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا وَفِي الثَّانِي مُتَوَرِّكًا , فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ مُتَوَرِّكًا " انتهى .
والراجح هو مذهب الحنابلة ؛ وقد اختاره علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (الشيخ عبد العزيز بن باز ، والشيخ عبد الله بن قعود) .
انظر : "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/15) .
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغنى" (1/318) : "جَمِيعُ جَلَسَاتِ الصَّلَاةِ لَا يُتَوَرَّكُ فِيهَا إلَّا فِي تَشَهُّدٍ ثَانٍ . لحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى , وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى). وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يُسَلِّمُ فِيهِ وَمَا لَا يُسَلِّمُ . وَقَالَتْ عَائِشَةُ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ , وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَهَذَانِ يَقْضِيَانِ عَلَى كُلِّ تَشَهُّدٍ بِالِافْتِرَاشِ , إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ ، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي , فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى قَضِيَّةِ الْأَصْلِ , وَلِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَشَهُّدٍ ثَانٍ , فَلَا يَتَوَرَّكُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ , وَهَذَا لِأَنَّ التَّشَهُّدَ الثَّانِيَ , إنَّمَا تَوَرَّكَ فِيهِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ , وَمَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَشَهُّدٌ وَاحِدٌ لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ , فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ " انتهى باختصار .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" : متى يجلس المصلي جلسة التورك في الصلاة وفي أي صلاة ؟
فأجاب : " التورك يكون في التشهد الأخير في كل صلاة ذات تشهدين ، أي : الأخيرة من المغرب ، والأخيرة من العشاء ، والأخيرة من العصر ، والأخيرة من الظهر ، أما الصلاة الثنائية ، كالفجر ، وكذلك الرواتب ، فإنه ليس فيها تورك ، التورك إذاً في التشهد الأخير في كل صلاة فيها تشهدان " انتهى .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (13340).
والله أعلم
تعليق