الحمد لله.
أولاً :
نشكر لك أخي الفاضل حبك للخير ، ونشر كتاب الله تعالى في الأرض ، وحرصك على دعوة الناس ، ونسأل الله تعالى أن يجزيك خير الجزاء ، وأن يوفق مسعاك لما يحب ويرضى .
ونحب أولاً أن ننبهك إلى أن قولك " رأي الدين " : خطأ ، والصواب أن تقول " ما تقولون " أو " ما حكم الشرع " فيما فيه نص .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
لا ينبغي أن يقال " ما حكم الإسلام في كذا " ، أو " ما رأي الإسلام في كذا " فإنه قد يخطئ فلا يكون ما قاله حكم الإسلام ، لكن لو كان الحكم نصّاً صريحاً ، فلا بأس أن يقال : ما حكم الإسلام في أكل الميتة ؟ فنقول : حكم الإسلام في أكل الميتة أنها حرام .
" المناهي اللفظية " ( 49 ) .
ثانياً :
لتعلم أخي الفاضل أنه يستحيل ترجمة ألفاظ القرآن الكريم ؛ لأن القرآن نزل بلغة العرب ، ولا يطلق عليه إن تُرجم " كتاب الله " ، بل هو كتاب من قام بترجمته ، وليس ثمة لغة في العالم تضاهي دقة اللغة العربية ، لذا فمن المستحيل أن يترجم كتاب الله إلى لغة أخرى تؤدي المقصود تماماً ، وتطابق اللفظ القرآني .
نعم ، يمكن ترجمة معاني القرآن بلغات أخرى ، لكن يشترط أن يقوم بهذه الترجمة حاذق باللغتين – العربية واللغة المراد الترجمة إليها – حتى يفهم مراد الله تعالى ، فيؤدي المعنى باللغة الأخرى على وجهها الصحيح ، وإذا فعلت هذا ، وساهمت في نشر هذه التراجم : فإنك تقوم بعمل جليل ، نرجو الله تعالى أن يثيبك عليه أجزل الثواب ، ولا يهم كونك تعرف هذه اللغة الأجنبية ، بل يكفي ثقتك بعمل المترجم ، أو المؤسسة القائمة عليها .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :
ترجمة القرآن ، أو بعض آياته ، إلى لغة أجنبية ، أو عجمية بقصد نشر الدعوة الحقَّة الإسلامية في بلاد غير المسلمين ، هل في هذا العمل ما يخالف الشرع والدين ؟ .
فأجابوا : " ترجمة القرآن ، أو بعض آياته ، والتعبير عن جميع المعاني المقصود إليها من ذلك : غير ممكن ، وترجمته ، أو بعضه ترجمة حرفية : غير جائزة ؛ لما فيها من إحالة المعاني ، وتحريفها ، أما ترجمة الإنسان ما فهمه من معنى آية ، أو أكثر ، وتعبيره عما فهمه من أحكامه ، وآدابه ، بلغة إنجليزية ، أو فرنسية ، أو فارسية – مثلاً - لينشر ما فهمه من القرآن ويدعو الناس إليه : فهو جائز ، كما يفسر الإنسان ما فهمه من القرآن ، أو آيات منه باللغة العربية ، وذلك بشرط أن يكون أهلا لتفسير القرآن ، وعنده قدرة على التعبير عما فهمه من الأحكام ، والآداب بدقة ، فمَن لم تكن لديه وسائل تعينه على فهم القرآن ، أو لم يكن لديه اقتدار على التعبير عنه بلغة عربية ، أو غير عربية ، تعبيراً دقيقاً : فلا يجوز له التعرض لذلك ؛ خشية أن يحرِّف كتاب الله عن مواضعه ، فينعكس عليه قصده ، ويصير قصده المعروف منكراً ، وإرادته الإحسان : إساءة .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن منيع .
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4/162،163) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : ما حكم ترجمة القرآن ، وتفسيره ، تفسيراً حرفيّاً لغير العربية ؟
فأجاب : " أسألك : هل يمكن أن يترجم القرآن ترجمةً حرفية ؟ لا يمكن أبداً ، فالمسألة مفروضة فرضاً لا واقعاً ؛ لأن اللغات غير العربية تختلف عن العربية ، وليست كالعربية في الترتيب ، ولا في الأسلوب ، لهذا لا يمكن أن يُترجم ترجمة حرفية ، أما ترجمة القرآن ترجمة معنوية ، بمعنى أن يأخذ الإنسان آية ، ويترجم معناها : فهذا لا بأس به ، بل قد يكون واجباً لمن احتيج إلى تفهيمه بذلك " انتهى "لقاءات الباب المفتوح" ( 50 / السؤال رقم 12 ) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال : (1690) ، (98553) .
ثالثاً :
بخصوص " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف " : فإننا نعلمك أنه مصدر ثقة لدى العلماء والباحثين من أهل السنَّة ، وأنه يقوم على إدارة شئون طباعة المصحف ، ومراجعته ، وتراجمه ، وتفسيره : مشايخ فضلاء ، وأئمة أعلام ، فإن تيسر لك شيء من إصدارات ذلك المجمع : فلا تتردد في نشرها ، وتوزيعها في أرجاء الأرض .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :
هل يجوز إعطاء الكافر الذي يرغب بالإسلام ، ولم يسلم بعدُ ، نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم ، ومعها القرآن الكريم كاملاً ، كطباعة ترجمات القرآن الكريم الصادرة من " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف " ؟ .
فأجابوا :
" لا مانع من إعطاء الكافر الذي يُرجى إسلامه كتب التفسير ، وترجمة معاني القرآن ، بلغته التي يفهمها ، ولو كان القرآن مميزاً عن التفسير ، والترجمة ؛ لأن الحكم في مثل هذا للتفسير والترجمة .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية ( 3 / 45 ) .
وجاء في قرارات وتوصيات " مجمع الفقه الإسلامي " التابع لـ " منظمة المؤتمر الإسلامي " : قرار رقم : 116 ( 10 / 12 ) بشأن موضوع ترجمة القرآن الكريم : ما نصه :
" إن " مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي " المنبثق عن " منظمة المؤتمر الإسلامي " في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية ، من 25 جمادى الآخرة 1421 هـ إلى غرة رجب 1421 هـ ( 23 - 28 سبتمبر 2000 م ) .
بعد اطلاعه على ورقة العمل المتضمنة " ترجمة معاني القرآن الكريم " المحالة من الأمانة العامة لمؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية ، والمعدة من قبل " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف " حول المعايير ، والشروط الخاصة ، والإجراءات لترجمة معاني القرآن الكريم .
وبعد دراسة مستفيضة ، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع ، بمشاركة أعضاء " المجمع " ، وخبرائه ، وعدد من الفقهاء :
قرر ما يلي :
إقرار جميع بنود ورقة العمل المقدمة بشأن ترجمة معاني القرآن الكريم .
ويوصي :
- بإنشاء هيئة تعنى بتفسير القرآن الكريم وعلومه ، ترتبط بـ " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف " .
والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى .
فأنت ترى ثقة العلماء والمشايخ من العالَم أجمع بهذا المجمع ، وليس عليك سوى المسارعة بالخير ، عسى الله أن يوفقك له ، ويتقبله منك .
والله أعلم
تعليق