الحمد لله.
أولا :
الولاية في النكاح أمر عظيم له خطره ، شرعه الله عز وجل لعباده ، صيانة للمرأة ، ورعاية لحقها ، ونظرا لمصلحتها ، فلم يعطها أن تتولى بنفسها عقد النكاح ، لها أو لغيرها ، ولم يسمح لها أن تختار وليها في النكاح ، أو وكيلها فيه ، بل هو مرتب ترتيبا شرعيا ، وليس من وضع العباد .
قال البهوتي رحمه الله :
"ويقدم أبو المرأة" الحرة "في إنكاحها" ؛ لأنه أكمل نظرا وأشد شفقة ، "ثم وصيه فيه" ، أي : في النكاح ، لقيامه مقامه ، " ثم جدها لأب وإن علا " : الأقرب فالأقرب ؛ لأن له إيلادا وتعصيبا ، فأشبه الأب ، "ثم ابنها ، ثم بنوه وإن نزلوا" : الأقرب فالأقرب ، لما روت أم سلمة أنها لما انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها فقالت: يا رسول الله ليس أحد من أوليائي شاهدا قال: "ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك" فقالت: قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه رواه النسائي " ، ثم أخوها لأبوين ، " ثم لأب ، كالميراث " ، ثم بنوهما كذلك " وإن نزلوا ؛ يقدم من لأبوين على من لأب إن استووا في الدرجة ، الأقرب فالأقرب " ، ثم عمها لأبوبن ، ثم لأب لما تقدم ، ثم بنوهما كذلك ، على ما سبق في الميراث ، " ثم أقرب عصبته بسبب ، كالإرث " ، فأحق العصبات بعد الإخوة بالميراث : أحقهم بالولاية ؛ لأن مبنى الولاية على الشفقة والنظر ، وذلك معتبر بمظنته وهو القرابة ، " ثم المولى المنعِم " بالعتق ، لأنه يرثها ويعقل عنها ، "ثم أقرب عصبته نسبا" على ترتيب الميراث ، ثم إن عدموا فعصبة ولاء على ما تقدم ، "ثم السلطان" ، وهو الإمام أو نائبه قال أحمد: والقاضي أحب إلي من الأمير في هذا فإن عدم الكل زوجها ذو سلطان في مكانها.. " انتهى من "الروض المربع (335-336) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" جهات الولاية في عقد النكاح خمس، أبوة، ثم بنوة، ثم أخوة، ثم عمومة، ثم ولاء، فإن كانوا في جهة واحدة قدم الأقرب منزلة، والأقرب هو الذي يجتمع مع الآخر قبل المحجوب، فمن بينه وبين الجد ثلاثة أقرب ممن بينه وبين الجد أربعة، وهلم جرّاً، فإن كانوا في منزلة واحدة فالأقوى، فأخ شقيق وأخ لأب، الولي الأخ الشقيق " انتهى من الشرح الممتع (12/84) .
ثانياً :
الواجب مراعاة الترتيب بين الأولياء ، على ما ذكر ، فلا يجوز أن يتقدم الولي الأبعد على الولي الأقرب في عقد النكاح .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" إذا زوجها الولي الأبعد مع حضور الولي الأقرب ، فأجابته إلى تزويجها من غير إذنه : لم يصح . وبهذا قال الشافعي .
وقال مالك : يصح لأن هذا ولي له أن يزوجها بإذنها كالأقرب .
ولنا : أن هذا مستحق بالتعصيب ، فلم يثبت للأبعد مع وجود الأقرب ؛ كالميراث . وبهذا فارق القريب البعيد " انتهى من " المغني " (7/364) ، وينظر: "الموسوعة الفقهية" (33/90).
وقال البهوتي رحمه الله :
"وإن زوج الأبعد أو" زوج "أجنبي" ولو حاكما "من غير عذر" للأقرب "لم يصح" النكاح لعدم الولاية من العاقد عليها مع وجود مستحقها " . انتهى من "الروض المربع" (336) .
ومن الأعذار التي تبيح تخطي الولي الأقرب ، إلى من هو أبعد منه في عقد النكاح : ألا يكون أهلا لأن يعقد ذلك .
قال الحجاوي رحمه الله في "زاد المستقنع" :
" فَإِنْ عَضَلَ الأَقْرَبُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً، أَوْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لاَ تُقْطَعُ إِلاَّ بِكُلْفَةٍ، وَمَشَقَّةٍ زَوَّجَ الأَبْعَدُ " .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه :
" قوله: أهلاً يعني ليس أهلاً للولاية، مثل أن يكون صغيراً أو فاسقاً، أو مخالفاً في الدين، أو ما أشبه ذلك؛ فإن وجود من ليس بأهل كالعدم لا فائدة من وجوده " انتهى من الشرح الممتع (12/89) .
والحاصل : أن الولي الأبعد لا يجوز أن يعقد النكاح ، مع وجود الولي الأقرب ، إلا أن يكون هناك عذر شرعي يبيح ذلك .
فإن كانت الأسباب الاجتماعية المشار إليها في السؤال تمنع الولي الأقرب من عقد النكاح ، كأن يكون سفيها ، لا يحسن التصرف ، أو يكون فاسقا ، أو غير ذلك من الأعذار الشرعية : جاز أن يعقد النكاح من هو أبعد منه .
وأما إذا كانت الأسباب الاجتماعية لا تعلق لها بالمانع الشرعي : فإنه لا عبرة بها ، ولا يجوز التذرع بها لتخطي مقام الولي الأقرب ، وتعدي حقه في الولاية التي جعلها الشرع له .
فإذا احتاج الناس ، لسبب ما ، أن يعقد النكاح من هو أبعد ، ورضي الولي الأقرب بذلك : فللولي الأقرب أن يوكل ذلك البعيد ، أو غيره ممن يصلح لعقد النكاح ، حتى ولو لم تكن له ولاية أصلا .
سئل علماء اللجنة :
" أحيانا يعقد للمرأة أخوها ، مع وجود والدها أو جدها ، تفويضا وموافقة ، فهل يصح العقد على تلك الصيغة ؟ أي يعقد الولي الأدنى مع وجود الولي الأعلى وموافقته ؟ " .
فأجابوا :
" إذا عقد الولي الأبعد للمرأة في النكاح مع وجود الولي الأقرب ، بدون عذر شرعي للولي الأقرب ، ولا وصية منه : فإن عقده باطل ، ولا يصح معه النكاح ؛ لأنه لا ولاية له على المرأة ، مع وجود مستحقها وهو الولي الأقرب منه .
لكن من يحق له أن يعقد للمرأة ، إذا تنازل عن الولاية لمن هو أدنى منه ، أو أوصى من هو أهل للولاية بأن يعقد لموليته : جاز عقده ، وصح النكاح ؛ لأنه حق له تنازل عنه لمن وكله فقام مقامه .
وعلى ذلك : فإنه يجوز للأخ أن يلي عقد أخته ، إذا وكله وفوضه وليها الأحق بعقد نكاحها. وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى من فتاوى اللجنة (18/174) .
تعليق