الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1446 - 26 نوفمبر 2024
العربية

منهج السلف في صفات الله تعالى والرد على الاتحادية في فهم حديث ( كُنْتُ سَمْعَهُ )

السؤال

قال الله تعالى في الحديث القدسي : ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ) كيف نجمع بين عدم الوقوع في الحلول وبين طريقة أهل السنة والجماعة في التعامل مع آيات الصفات ؟ أرجو التوضيح أكرمكم الله فقد حاول بعض النفاة الطعن في مذهب السلف في الأسماء والصفات بدعوى أن إبقاء النص على ظاهره سيوقعنا في الحلول .

الجواب

الحمد لله.

أولاً:
منهج أهل السنَّة والجماعة في باب الصفات أن كلَّ صفةٍ يثبتونها لربهم عز وجل إنما يثبتونها بنصٍّ من كتابِ الله أو سنَّةِ نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم مع الجزم بنفي مماثلة الله تعالى لخلقه ؛ لقوله تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) وهو ردٌّ على " الممثلة " – وبعض العلماء يطلق عليهم لفظ " المشبهة " – وقوله تعالى بعدها ( وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) الشورى/ 11 فيه ردٌّ على المعطلة نفاة الصفات الذين اعتقدوا أن الاشتراك في الاسم يوجب المماثلة .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم : ( 155206 ) قواعد نافعة في أسماء الله وصفاته ، فانظرها هناك ، وتجد في جواب السؤال رقم : ( 34630 ) تفصيلاً في معنى " الإيمان بالأسماء والصفات " وبيان المحاذير الأربعة وهي : التحريف ، والتعطيل ، والتمثيل ، والتكييف وهي التي من وقع في واحد منها لم يحقق الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته كما يجب .
وقد ذكر الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه " القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى " قواعد نافعة في صفات الله تعالى .

وذكر الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف حفظه الله إحدى وعشرين قاعدة في صفات الله تعالى ، وذلك في كتابه " صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة " ،

ثانياً:
الحديث الذي ذكره الأخ السائل هو جزء من حديث رواه أَبو هُريرة رضي الله عنه قالَ : قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الله تَعالَى قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذنتُهُ بالحربِ وما تَقَرَّب إليَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افترضتُ عَليهِ ولا يَزالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ فإذا أَحْبَبْتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الّذي يَسمَعُ بهِ وبَصَرَهُ الّذي يُبْصِرُ بهِ ويَدَهُ الَّتي يَبطُشُ بها ورِجْلَهُ الّتي يَمشي بِها ولَئِنْ سأَلنِي لأُعطِيَنَّهُ ولَئِنْ استَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ) رواه البخاري ( 6137 ) .
وننبه إلى أن " الاتحادية " هم من احتج بهذا الحديث على اعتقادهم الفاسد ، وليس " الحلولية " – انظر الفرق بين الاتحاد والحلول في جواب السؤال رقم ( 147639 ) – وقد قالوا إن الحديث يدل على اتحاد الخالق بالمخلوق إذا هو تقرَّب إلى الله تعالى بالفرائض ، فيصير – والعياذ بالله – العبد هو عين المعبود يسمع بسمع الله ويبصر ببصره ! يعني : اتحدَّ الخالق بالمخلوق فصارا شيئاً واحداً ! وهذا لا شك أنه كفرٌ مخرج من ملة الإسلام ، والحديث الذي استدلوا به حجة عليهم ففيه إثبات خالق ومخلوق والتفريق بينهما ، وعابد ومعبود والتفريق بينهما ، ومحب ومحبوب وسائل ومجيب ، وليس فيه أنهما يصيران شيئاً واحداً .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
فالملاحدة والاتحادية يحتجون به على قولهم لقوله "كُنْت سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَيَدَهُ وَرِجْلَهُ " ، والحديث حجة عليهم من وجوه كثيرة :
منها : قوله ( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ ) فأثبت معادياً محارباً ووليّاً غير المعادي ، وأثبت لنفسه سبحانه هذا وهذا .
ومنها : قوله ( وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ ) فأثبت عبداً متقرِّباً إلى ربه وربّاً افترض عليه فرائض .
ومنها : قوله ( وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ) فأثبت متقرِّباً ومتقرَّباً إليه ، ومُحبّاً ومحبوباً غيره ، وهذا كله ينقض قولهم " الوجود واحد " .
ومنها : قوله ( فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ) إلى آخره ، فإنه جعل لعبده بَعد محبته هذه الأمور وهو عندهم قبل المحبة وبعدها واحد . انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 2 / 371 ، 372 ) .
وقال – رحمه الله - :
ثُمَّ قَالَ ( وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ) ففرَّق بين السائل والمسئول ، والمستعيذ والمستعاذ به ، وجعل العبدَ سائلاً لربه مستعيذاً به .
وهذا حديث شريف جامع لمقاصد عظيمة . انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 17 / 134 ) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله ـ في أثناء شرحه للحديث ، وبيان معناه من وجوه كثيرة :
" وَعَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا فَلَا مُتَمَسَّكَ فِيهِ لِلِاتِّحَادِيَّةِ ، وَلَا الْقَائِلِينَ بِالْوَحْدَةِ الْمُطْلَقَةِ ، لِقولِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ وَلَئِنْ سَأَلَنِي وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ " انتهى من "فتح الباري" (11/345) .

قال الإمام الشوكاني رحمه الله ، بعدما نقل كلام ابن حجر :
" وَأما مَا ذكره من الرَّد على مَا حَكَاهُ عَن بعض أهل الزيغ من قَوْله: لَئِن سَأَلَني وَلَئِن استعاذني ؛ فَوجه الرَّد أَنه يَقْتَضِي سَائِلًا ومسئولا ومستعيذاً ومستعاذا بِهِ .
وَلَعَلَّه رَحمَه الله لم يتَأَمَّل هَذَا الحَدِيث كَمَا يَنْبَغِي ؛ فَإِنَّهُ لَو تَأمله لم يقْتَصر على مَا ذكره من السُّؤَال والاستعاذة ، فَإِن الحَدِيث كُله يرد عَلَيْهِم ، فَإِن قَوْله : من عادى لي وليا يرد عَلَيْهِم ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وجود معاد ومعادى ومعادى لأَجله. وَيَقْتَضِي وجود موالى وموالي، وَيَقْتَضِي وجود مُؤذن ومؤذن ومحارب ومحارب، ومتقرب ومتقرب إِلَيْهِ وَعبد ومعبود ومحِب، ومحَب وَهَكَذَا إِلَى آخر الحَدِيث.
فَهُوَ جَمِيعه يرد على الاتحادية المتمسكين بِهِ من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ .. بل الوضوح أظهر فِي قَوْله: " وَمَا ترددت عَن شَيْء أَنا فَاعله ترددي عَن نفس الْمُؤمن "، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وجود مُتَرَدّد ومُتَرَدَّدٍ فِيهِ ، وفاعل ومفعول ، وَوُجُود نفس مُتَرَدّد فِيهَا وَهِي نفس العَبْد الْمُؤمن ، ومتردد وَهُوَ الْقَابِض لَهَا ، وكاره للْمَوْت وَهُوَ الْمُؤمن ، وكاره لمساءته وَهُوَ الرب سُبْحَانَهُ.
وَالْحَاصِل أَن قَول الاتحادية يقْضِي عقلُ كل عَاقل بِبُطْلَانِهِ ، وَلَا يحْتَاج إِلَى نصب الْحجَّة مَعَهم.
وأصل الشُّبْهَة الدَّاخِلَة عَلَيْهِم مَنْقُول الثنوية ، فَإِنَّهُم جعلُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِلَه الْخَيْر وإله الشَّرّ: فإله الْخَيْر النُّور وإله الشَّرّ الظلمَة، وجعلوهما أصل الموجودات كلهَا، فَإِذا غلب النُّور صَار العَبْد نورانياً، وَإِذا غلبت الظلمَة صَار العَبْد ظلمانياً.
وغفلوا عَن كَون هَذَا الْمَذْهَب الكفري يرد عَلَيْهِم بادئ بَدْء، فَإِن الظلمَةغير النُّور، وَالشَّيْء الَّذِي حلا بِهِ غير هَذَا الْحَال " انتهى من "قطر الولْي على حديث الوليِّ" للشوكاني (419-421) .
وينظر نصَّ الحديث وزيادة بيان في معناه في جوابي السؤالين ( 21371 ) و ( 14397 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب