الحمد لله.
أولاً:
يجوز دفع الزكاة للمريض لنفقات علاجه ، إذا كان لا يملك ثمن ذلك ، وينظر جواب سؤال رقم (105328).
ثانياً:
من دفع زكاته لمن ظنه فقيرا أو محتاجا ، فبان له أنه غني ، أو غير محتاج ، أو استطاع أن يدخر من هذا المال ، فقد برئت ذمة المزكي ، وليس له أن يرجع في زكاته .
قال في " زاد المستقنع " : " وإن أعطاها لمن ظنه غير أهل فبان أهلا ، أو بالعكس لم يجزه ، إلا لغني ظنه فقيرا فإنه يجزئه ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه : " قوله: إلا لغني ظنه فقيرا فإنه يجزئه . هذا مستثنى من قوله: أو بالعكس .
مثل: رجل جاء يسأل؛ وعليه علامة الفقر فأعطيته من الزكاة فجاءني شخص فقال: ماذا أعطيته؟ قلت: زكاة ، قال : هذا أغنى منك، فتجزئ ؛ لأنه ليس لنا إلا الظاهر ، ومثل ذلك الذين يسألون في المدارس والمساجد ثم نعطيهم بناء على الظاهر.
والدليل على ذلك : قصة الرجل الذي تصدق ليلة من الليالي فخرج بصدقته فدفعها إلى شخص فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على غني ، فقال: الحمد لله على غني ـ يرى أنها مصيبة ـ ثم خرج مرة أخرى فتصدق على بغي ـ زانية ـ فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على بغي، فقال: الحمد لله؛ على غني وبغي ، ثم خرج مرة ثالثة فتصدق فوقعت الصدقة في يد سارق، فأصبح الناس يتحدثون : تصدق الليلة على سارق ، فقال: الحمد لله على غني وبغي وسارق، فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت ؛ أما الغني فلعله يتذكر ويتصدق ، وأما البغي فلعلها تستعف، وأما السارق فلعله يكتفي بما أعطيته عن السرقة محلها، وصارت مفيدة مقبولة عند الله ، ونافعة لمن تصدق عليهم ، فيؤخذ منه أنه إذا تصدق على فقير فبان غنيا أنها تجزئه.
وذهب بعض أهل العلم : إلى أنه إذا دفعها إلى من يظن أنه أهل بعد التحري ، فبان أنه غير أهل فإنها تجزئه ؛ حتى في غير مسألة الغني ؛ أي: عموما ؛ لأنه اتقى الله ما استطاع لقوله تعالى: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة/ 286 ، والعبرة في العبادات بما في ظن المكلف بخلاف المعاملات فالعبرة بما في نفس الأمر، ويصعب أن نقول له : إن زكاتك لم تقبل مع أنه اجتهد، والمجتهد إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران.
وهذا القول أقرب إلى الصواب أنه إذا دفع إلى من يظنه أهلا مع الاجتهاد والتحري فتبين أنه غير أهل فزكاته مجزئة ؛ لأنه لما ثبت أنها مجزئة إذا أعطاها لغني ظنه فقيرا ، فيقاس عليه بقية الأصناف " انتهى من "الشرح الممتع" (6/ 264).
وبهذا يُعلم أن زكاتك قد تمت والحمد لله ، وليس لك أن تطالب بشيء منها .
ثالثا :
ليس للمحتاج أو من يقوم عليه أن يأخذ من المال أكثر من حاجته وهو يعلم أنه من مال الزكاة ، ويلزمه عدم قبوله ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم - في الزكاة -: ( لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ) رواه أبو داود (1391) والنسائي (2551) وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ ) رواه أبو داود (1392) والترمذي (589) والنسائي (2550) وابن ماجه (1829) وصححه الألباني في " صحيح سنن النسائي " . وذو مِرَّة سَويّ : أي القوي صحيح البدن.
قال في " مطالب أولي النهى " (2/ 259) : " وحيث دُفعت الزكاة لغير مستحقها, لجهل دافعٍ به , وجب على آخذها ردها له " انتهى .
وسئل علماء اللجنة الدائمة : " امرأة أرملة تسأل وتقول: يبقى عندي بعض المال من الصدقات التي يتصدق بها علي ، وكذلك الزكوات ، ويحول عليها الحول فهل تجب فيها زكاة ، وإذا كانت تجب فيها الزكاة كيف أزكيها؟
فأجابوا: لا يجوز للمرأة المذكورة أن تأخذ من الزكاة أكثر من حاجتها، وما وجد عندها من المال وبلغ نصاباً وحال عليه الحول ، وجب عليها إخراج زكاته مقدار ربع العشر وهو يعادل 2.5%. " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة، المجموعة الثانية" (8/ 381).
وإذا توفيت عمتك ، وبقي المال المذكور في يد بناتها ، فإن علموا أن أمهم لم تكن مستحقة للزكاة ، أو أخذت أكثر من حاجتها وهي تعلم أن المال من الزكاة ، فإن الأحوط والأبرأ لهم أن يتخلصوا من هذا المال بدفعه للفقراء والمساكين .
وإن أدخلوه في التركة ، وتقاسموه فلا حرج عليهم ؛ لأن المال الحرام لكسبه ، حرام على كاسبه فقط ، ويورث عنه إذا مات ، على الراجح .
وإن كانت الأم لا تعلم أن المال من الزكاة ، أو علمت وأخذت قدر حاجتها ، أو ما تظن أنها تحتاجه ، ثم بقي منه ما بقي ، فلا إثم عليها ، وما تركته بعدها فلورثتها .
والله أعلم .
تعليق