الحمد لله.
أولا :
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله أن يطيل في الفجر ويتوسط في العشاء ويخفف في المغرب ؛ كما روى النسائي (982) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ ". قَالَ سُلَيْمَانُ : " كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ ، وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ ، وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ ، وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطُوَلِ الْمُفَصَّلِ " . وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"وطوال المفصل من "ق" إلى "عم" ، ومن "عم" إلى "الضحى" أوساط ، ومن "الضحى" إلى آخره قصار" انتهى من "الشرح الممتع" (3/75) .
وقال ابن بطال رحمه الله : " اتفق العلماء على أن أطول الصلوات قراءة الفجر " انتهى من "شرح صحيح البخاري" (2/385) .
ثانيا :
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهد سورا بعينها يخصصها لصلاة الفجر ، إلا يوم
الجمعة ، فإنه كان يقرأ فيها بـــ ( الم * تنزيل ) السجدة ، و( هل أتى على الإنسان
) رواه البخاري (891) ومسلم (880) .
وما عدا الجمعة فكان تارة
يقرأ في الفجر بالواقعة ونحوها من السور . رواه أحمد (21033) وصححه الألباني في
"صفة الصلاة" (ص109) .
وقرأ مرة فيها بــ ( الطور) رواه البخاري (1626) ومسلم (1276) .
ويقرأ أحيانا بــ ( ق والقرآن المجيد ) رواه مسلم (458).
وقرأ مرة فيها ( إذا زلزلت ) في الركعتين كلتيهما . رواه أبو داود (816) وحسنه
الألباني في "صحيح أبي داود" .
وقرأ - مرة - فيها في السفر بـــ ( قل أعوذ برب الفلق ) و( قل أعوذ برب الناس ).
رواه أبو داود (1462) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وصلى الصبح مرة بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون أخذته صلى الله
عليه وسلم سعلة فركع . رواه مسلم (455) .
وأمهم مرة فيها بــ ( الصافات ) رواه أحمد (4989) ، وصححه الألباني في "صفة الصلاة"
(ص109) .
وقال أبو بَرْزَةَ رضي الله عنه : ( كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى
الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ
السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ ) رواه البخاري (541) ومسلم (461) .
ولم نطلع على رواية فيها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح ، ولا في غيرها من الصلوات بأول سورة الكهف ، وآخر سورة الجمعة .
فهذا الذي يفعله إمام مسجدكم من التخصيص لهاتين السورتين في صلاة الفجر مخالفة ظاهرة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهديه في الصلوات ؛ بل هو أظهر في البدعة ؛ قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله : " ومن البدع : التخصيص بلا دليل " انتهى من " بدع القراءة " (ص/14) .
سئل علماء اللجنة :
في صلاة الفجر دائما ما أقرأ في الركعة الأولى سورة الانشراح ، اعتقادا وإحساسا مني
أنني عندما أقرأ هذه السورة بالذات بأنني أبدأ يوما جديدا، علما بأنني أحفظ كثيرا
من سور القرآن الكريم ، فما حكم تخصيص الركعة الأولى من صلاة الفجر بسورة واحدة هي
سورة الانشراح ؟
فأجابوا :
" المشروع في صلاة الفجر إطالة القراءة ، ويقرأ ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة من
غير تخصيص لسورة معينة ، إلا ما ورد الدليل بتخصيصه ؛ كسورة السجدة ، وسورة الدهر-
هل أتى على الإنسان- في صلاة الفجر يوم الجمعة ؛ لأن التخصيص من غير دليل يكون بدعة
" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5 /340).
والواجب على هذا الإمام أن
يحرص على إقامة السنة في صلواته وإمامته بالناس ، فإنه لم يجعل في هذا المقام ،
ليسن لهم ، ويصلي بهم على وجه التشهي والاستحسان ؛ بل الواجب عليه أن يتحرى هدي
النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته ، وينبغي عليه أن يجتهد في متابعة سننه
ومستحباته في الصلوات ، ما أطاق الناس ذلك .
وصلاة الفجر صلاة جهرية ، يحتاج الناس فيها وخاصة في هذا الزمان إلى سماع كلام الله
، فتنويع القراءة أفضل وأنفع للناس ، وأعظم بركة ، وأبعد عن الملال ؛ لأنه به يحصل
للناس سماع لقدر كبير من القرآن ، وخاصة أن منهم من لا يحسن القراءة ، أو يكون
مشغولا عن القرآن بعمله أو غير ذلك .
والله تعالى أعلم .
تعليق