الحمد لله.
أولا :
روى الترمذي (2890) ، والبيهقي في " الشعب " (2280) ، والطبراني في " المعجم الكبير " (12801) ، وأبو نعيم في " الحلية " (3/81) من طريق يَحْيَى بْن عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي الجَوْزَاءِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِبَاءَهُ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ لاَ يَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ، فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ حَتَّى خَتَمَهَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي ضَرَبْتُ خِبَائِي عَلَى قَبْرٍ وَأَنَا لاَ أَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ، فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الْمُلْكِ حَتَّى خَتَمَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هِيَ الْمَانِعَةُ ، هِيَ الْمُنْجِيَةُ ، تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ ) .
وقال البيهقي :
" تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ عَمْرٍو ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ " انتهى .
ويحي هذا ، قد قال فيه ابن معين وأبو زرعة وأبو داود والنسائي والدولابي : ضعيف ، وقال العقيلي لا يتابع على حديثه ، وقال أحمد بن حنبل : ليس هذا بشيء ، وقال الساجي : منكر الحديث .
" تهذيب التهذيب " (11/ 260) .
وأبوه عمرو بن مالك النكري ذكره ابن حبان في الثقات وقال : يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه ، يخطئ ويغرب .
" تهذيب التهذيب " (8/ 96) .
فهذا الحديث ضعيف لا يحتج به ، وقد ضعفه البيهقي كما تقدم ، وكذا ضعفه الألباني في " ضعيف سنن الترمذي " ، وقال المباركفوري رحمه الله : " فِي سَنَدِهِ يَحْيَى بْنُ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ " انتهى من " تحفة الأحوذي " (8/ 161) ..
وأما قوله : ( هيَ المانعةُ تنجيهِ من عذابِ القبرِ ) فقد صح من قول ابن عباس رضي الله عنهما ، كما رواه الحاكم (3839) وصححه ، ووافقه الذهبي .
ثانيا :
أولياء الله من الأنبياء والشهداء والصالحين يحيون في قبورهم حياة برزخية ، ليست كحياتنا الدنيا ، ولا تضرب لها الأمثال لمحاولة تقريبها ومعرفة كنهها ، فإن حقيقتها لا يعلمها إلا الله .
قال علماء اللجنة للإفتاء :
" حياة الأنبياء والشهداء وسائر الأولياء : حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله ، وليست كالحياة التي كانت لهم في الدنيا " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى " (1 /173-174) .
راجع إجابة السؤال رقم (148285) .
ثالثا :
لم يثبت في النصوص الشرعية ما يدل على أن الصالحين يقرءون القرآن في قبورهم ، فلا يجوز القول بذلك بغير علم ، وما يورده البعض من منامات في ذلك ، أو أنه مرّ بفلان في قبره وهو يقرأ القرآن ، ونحو ذلك فلا حجة فيه ؛ فإنه ليس في موضع الحجة أصلا لو كان صدقا ، ولأنه ربما كذب فيما يحكيه ، وربما توهم أمرا لا حقيقة له ، وربما أراه الشيطان ذلك في منامه ليلبس به عليه ، وعلى الناس ، وحياة البرزخ كما قدمنا لا يعلمها على الحقيقة إلا الله .
رابعا :
الأصل عدم سماع الأموات كلام الأحياء ، كما أن الأحياء لا يدرون عن أمر الأموات شيئا ، إلا ما ورد فيه النص ؛ لأن أمر البرزخ من أمر الغيب ، ولا يعلم الغيب إلا الله .
وإنك لتمر بقبور المشركين فلا تحس منهم من أحد ، ولا تسمع لهم صوتا ، وهم في الحقيقة يعذبون في قبورهم .
ويدفن الرجل الصالح من المسلمين بجوار الظالم ، فيرحم الله الأول ويفسح له في قبره ، وينور له فيه ، ويكون عليه روضة من رياض الجنة ، ويعذب الثاني الظالم ، ويضيق عليه قبره ، ويكون عليه حفرة من حفر النيران ، ثم لا يختلط حال أحدهما بحال صاحبه ، ولا يشعر الناس بأي منهما .
وأما أنهم يسمعون ، ويعلمون بأحوال الدنيا : كالأحياء ، فباطل محض ، لا دليل عليه من أثر ، ولا نظر ؛ وأبعد منه في البطلان ، وأدخل في الضلال : قول من يقول : إنهم يسمعون ، ويستجيبون .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" الأموات عموما ، بما فيهم الأنبياء عليهم السلام : لا يسمعون من يناديهم سماع قبول وامتثال ، فلا يمكنه إجابة الداعي ، ولا امتثال ما أمر به أو نهي عنه ، وهذا هو الذي نفاه الله بقوله تعالى: ( فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ) ، أما ما جاء في الصحيحين عن الميت إذا وضع في قبره ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه ) ، وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لقتلى يوم بدر من المشركين عندما سحبوا ، وألقي بهم في قليب بدر ، فقال لهم : ( هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ ) وقال : ( إنهم يسمعون الآن ما أقول ) ، ومثل سماع الميت للملكين عندما يوضع في قبره فيسألانه عن دينه ونبيه.. إلخ ، ونحو ذلك مما ورد به الشرع ، فإن الميت يسمعه سماعا برزخيا ، الله أعلم بكيفيته ، وليس سماعا دائما للميت ، بل في هذه الحالات الخاصة ، وليس سماعه كسماعه في الحياة الدنيا ، بل هو خاص بأحوال البرزخ ، ولا يعلم كيفية ذلك إلا الله ، ولا يترتب على هذا السمع نفع الميت أو ضره للحي ، إذ لا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه ، وأما ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي ، حتى أرد عليه السلام ) فذلك خاص به صلى الله عليه وسلم ، ولا يترتب على ذلك نفع النبي صلى الله عليه وسلم للحي ولا ضره ؛ إلا ما يحصل من الثواب من الله سبحانه لمن صلى وسلم عليه صلى الله عليه وسلم ، ولا يطلب منه صلى الله عليه وسلم في قبره ما يطلب منه في الدنيا من قضاء الحاجات وحل المشكلات ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يطلبون منه ذلك لعلمهم أنه لا يجوز " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية " (2/456-457) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الميت لا يسمع إذا دعي ، وإذا نودي ، بحيث يجيب من دعاه ، وهذا هو المقصود من قوله ( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ) " انتهى من " فتاوى نور على الدرب – لابن عثيمين " .
وينظر للفائدة إلى إجابة السؤال رقم : (128322) ، ورقم : (153666) .
خامسا :
هذه الطوائف من الصوفية والبريولية طوائف خارجة عن منهاج النبوة ، طوائف مبتدعة ، مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وسنته ، وما كان عليه السلف الصالح .
ولمعرفة أحوال الصوفية ، والموقف منهم : راجع إجابة السؤال رقم : (118693) . وللتعرف على الطائفة البريلوية ومعتقداتهم راجع إجابة السؤال رقم (1487) .
والله أعلم
تعليق