الحمد لله.
أولاً :
لا تعارض بين هذه الفتاوى بحمد الله ؛ فالمراد من الفتوى الأولى الخمر التي تختلط بغيرها من الأشياء بحيث تُستَهلك الخمر في المخلوط ولا يبقى لها أي أثر ، فيجوز أكل وشرب ما استهلكت فيه .
وأما الفتاوى الأخرى فهي تتحدث عن طبخ الطعام بالخمر ، وفي هذه الحال فإن "عين الخمر" لا تزال موجودة ولم تستهلك في الطعام الذي اختلطت به ، وتأثيرها في الطعام يبقى ظاهراً غالباً ، وحينئذ فيحرم تناول هذا الطعام ولو كان الموجود من الخمر شيئا يسيرا لا يسكر شربه ؛ لأن ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) .
وخلاصة المسألة : أن المطعومات والمشروبات المختلطة بالخمر ، لها حالتان :
الأولى : أن تُستهلك الخمر في الطعام أو الشراب وتتلاشى به ، بحيث تذهب عينها ولا يظهر لها أي أثر في المشروب من لون أو طعم أو رائحة ، فهذه لا حرج في أكلها وشربها مطلقاً .
قال شيخ الإسلام : " لو وقع خمر في ماء واستحالت ثم شربها شارب لم يكن شاربا للخمر، ولم يجب عليه حد الخمر؛ إذ لم يبق شيء من طعمها ولونها وريحها".
انتهى من "المستدرك على مجموع الفتاوى" (3/ 12).
الثانية : أن تبقى عين الخمر موجودة ، أو يظهر أثرها في المخلوط في الطعم أو اللون أو الرائحة والنكهة ، ففي هذه الحال يحرم تناول هذا المطعوم أو المشروب لوجود نسبة غير مستهلكة من الخمر ضمن مكوناته .
ووجود الخمر في هذا الطعام أو الشراب يجعله محرماً ، ولو كانت نسبة الخمر قليلة جداً .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: " إذا خالطت هذه الكحول شيئاً ولم تضمحل بما خالطته : صار هذا الشيء حراماً ؛ لأن هذا الخليط أثَّر فيه .
أما إذا انغمرت هذه الكحول بما خالطته ولم يظهر لها أثر : فإنه لا يحرم بذلك " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " .
ثانياً :
مع القول بجواز أكل وشرب المخلوط بالخمر في حال استهلاكه ، فإن هذا لا يعني جواز خلطه بالخمر.
فلا يجوز وضع شيء من النبيذ أو الكحول أو أي مادة مسكرة أخرى في الأشربة والأطعمة وغيرها ، وذلك لأن كل مسكر خمر كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ ) . رواه مسلم (2003) .
وما يزعمه البعض من وجود بعض الفوائد الطبية فيها ليس مبرراً لإضافتها للمواد الغذائية وغيرها ؛ لأن الله قد أمرنا الله باجتناب الخمر مطلقاً فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90.
قال القرطبي: " قوله: ( فاجتنبوه ) يقتضي الاجتناب المطلق ، الذي لا ينتفع معه بشيء بوجه من الوجوه ، لا بشرب ، ولا بيع ، ولا تخليل ، ولا مداواة ، ولا غير ذلك ".
انتهى من " الجامع لأحكام القرآن" (6/289).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (22 /124) : " لا يجوز وضع شيء مما يُسكر فيما يراد استعماله دواءً ، أو طعاماً ، أو شراباً ، ولا فيما يُراد استخراج الطعام والشراب أو الإدام منه ، سواء كان ذلك المسكر نبيذاً أم بيرةً أم غيرهما " انتهى .
والله أعلم .
تعليق