الحمد لله.
إدخال الصائم شيئا إلى جوفه ، عن طريق فتحة الدبر : هو من مفسدات الصوم ، عند جمهور العلماء .
ومثله إدخال أصبعه ، سواء كان ذلك أثناء استنجائه ، أو ادهانه بشيء من الأدوية ، أو إدخاله شيئا من المحاليل بالحقنة الشرجية .
وقرر جماعة من العلماء عدم
فساد صومه بذلك ، وهو مذهب ابن حزم ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، ومن
المعاصرين الشيخ ابن عثيمين ـ رحمة الله على الجميع .
ووجه عدم فساد الصوم : عدم الدليل على فساده ، والأصل الصحة حتى يرد دليل الإفساد.
جاء في "الموسوعة الفقهية"
(2/87) : " ذهب الحنفية والمالكية في المشهور, وهو المذهب عند كل من الشافعية
والحنابلة , إلى أن الاحتقان في الدبر يفطر الصائم , وعليه القضاء ؛ لقول عائشة رضي
الله عنها: ( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عائشة هل من كسرة ؟
فأتيته بقرص , فوضعه في فيه , فقال: يا عائشة هل دخل بطني منه شيء ؟ كذلك قبلة
الصائم , إنما الإفطار مما دخل وليس مما خرج ).
وعن ابن عباس ، وعكرمة : " الفطر مما دخل وليس مما خرج "، ولأن هذا شيء وصل إلى
جوفه باختياره , فأشبه الأكل , ولوجود معنى الفطر وهو وصول ما فيه صلاح البدن ، غير
أن المالكية اشترطوا أن يكون الداخل مائعاً ، ولم يشترط ذلك غيرهم .
وذهب المالكية في غير المشهور عندهم , وهو رأي القاضي حسين من الشافعية - وصف بأنه شاذ - وهو اختيار ابن تيمية , إلى أنه إذا احتقن الصائم في الدبر لا يفطر , وليس عليه قضاء .
وعللوا ذلك بأن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام , فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله سبحانه ، لكان واجباً على الرسول صلى الله عليه وسلم بيانه , ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة , وبلغوه الأمة , كما بلغوا سائر شرعه , فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثا صحيحا ولا ضعيفا ولا مسندا ولا مرسلا علم أنه لم يذكر شيئا من ذلك . " انتهى .
وقال ابن حزم ـ رحمه الله ـ
: " وأما الحقنة , والتقطير في الإحليل , والتقطير في الأذن..- : فإنهم قالوا : إن
ما وصل إلى الجوف ، وإلى باطن الرأس - لأنه جوف - فإنه ينقض الصوم , قياساً على
الأكل ؟ ..
قال أبو محمد : إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع , وتعمد
القيء , والمعاصي , وما علمنا أكلاً , ولا شرباً , يكون على دبر , أو إحليل , أو
أذن ... وما نهينا قط عن أن نوصل إلى الجوف - بغير الأكل , والشرب - ما لم يحرم
علينا إيصاله .." .
انتهى من "المحلى" (4/349).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله : " وأما الكحل ، والحقنة ، وما يقطر في إحليله ، ومداواة المأمومة ،
والجائفة : فهذا مما تنازع فيه أهل العلم ؛ فمنهم من لم يُفَطِّر بشيء من ذلك ،
ومنهم من فَطِّرَ بالجميع لا بالكحل ، ومنهم من فطر بالجميع لا بالتقطير ، ومنهم من
لم يفطر بالكحل ولا بالتقطير ويفطر بما سوى ذلك .
والأظهر : أنه لا يفطر بشيء من ذلك ، فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى
معرفته الخاص والعام ، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ،
ويَفسُد الصوم بها : لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ، ولو ذُكر ذلك لعلمه
الصحابة وبلغوه الأمة ، كما بلغوا سائر شرعه ؛ فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن
النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ، ولا مسنداً ولا
مرسلاً : عُلم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك ..." .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/233) .
وينظر : "الشرح الممتع"(6/368) ، "مجلة مجمع الفقه الإسلامي " (10/638):
وعلى ذلك : فإذا أمكن الصائم
أن يؤخر ما يحتاج إليه من الاحتقان في الدبر ، إلى ما بعد فطره : فهو أولى وأحوط
لصومه ، وأبرأ لذمته ، لما ذكرنا من ذهاب كثير من أهل العلم إلى بطلان صومه بذلك .
وإن شق عليه ذلك ، أو كان يضره التأخير إلى ما بعد الفطر ، فادَّهن ، أو استعمل
شيئا من العلاج لذلك ، ولو بإدخال ما يحتاج إليه بأصبعه : فنرجو ألا يكون عليه بذلك
، وألا يفسد صومه به ، وقد سبق ذكر من اختار هذا القول من أهل العلم .
والله أعلم .
تعليق