الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

الأدوية المحرمة

السؤال

أنا طبيبة أود لو تدلوني بشكل عملي - بالأمثلة إن أمكن - عن العلاجات والأدوية المحرم وصفها للمريض ، فأنا أعلم أنه لا يجوز وصف المسكرات ، ولكن بشكل عملي قد لا أنتبه إلى أن بعض الأدوية من المسكرات ، فأرجو إرشادي .

الجواب

الحمد لله.

أولاً :
من نعم الله سبحانه وتعالى على عباده أن قدَّر لكل داء دواء ، ورغَّب في التداوي .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً ‏) رواه البخاري (5678 ) .
وعَنْ جَابِرٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّهُ قَالَ : ‏( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏) رواه مسلم (2204 ) ‏.‏
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( لكل داء دواء ) ، تقوية لنفس المريض والطبيب ، وحثٌ على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه " .
انتهى من " زاد المعاد " (4/15) .
ومع الإذن بالتداوي ، والترخيص فيه ، أو طلبه ، فقد جاء النهي عن التداوي بالحرام .
عَنْ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ : " أَنَّ طَارِقَ ابْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ ؟ فَنَهَاهُ ، أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا .
فَقَالَ : إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ .
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ ‏) رواه مسلم ( 1948 ) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ " رواه الترمذي ( 2045 ) ، وصححه الألباني .
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً ، فَتَدَاوَوْا وَلاَ تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ ) رواه ابو داود ( 3874 ) ، قال الشيخ الأباني رحمه الله تعالى : " الحديث صحيح – من حيث معناه – لشواهده " انتهى من " التعليقات الرضية على الروضة الندية " (3/154) .

ثانياً :
ليس بمجرد القول أن الدواء يحتوي على محرم كالخمر أو نجس كالخنزير : يحرم ؛ بل هناك تفصيل عند أهل العلم ، نلخصه في التالي :

1- التداوي بالمحرمات والنجاسات الصرفة :
كالتداوي بالخمر ، أو كما يفعل بعض الناس في بعض البلدان حيث يتناول بعضهم بول نفسه .
فهذا محرّم ؛ لما مرَ من الأحاديث الناهية عن التداوي بالخمر والخبائث .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " التّداوي بالمحرّمات النّجسة محرّم ؛ لأنّ الأدلّة الدّالّة على التّحريم مثل قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) ، وحديث : ( كُلُّ ذِي نَابٍ مِن السِّبَاعِ حَرَامٌ ) ، وقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ ) عامّة في حال التّداوي وغير التّداوي ، فمن فرّق بينهما فقد فرّق بين ما جمع اللّه بينه وخص العموم ؛ وذلك غير جائز " انتهى من " مجموع الفتاوى " (21/562 ) بتصرف يسير.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " والمعالجة بالمحرمات قبيحة شرعاً وعقلاً .
أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث وغيرها .
وأما العقل ، فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه ، فإنه لم يُحَرِّم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها ، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله : ( فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) ؛ وإنما حرَّم على هذه الأمة ما حرَّم لخبثه ، وتحريمه له حِمية لهم ، وصيانة عن تناوله ، فلا يناسب أن يُطلب به الشفاء من الأسقام والعلل ، فإنه وإن أثَّر في إزالتها ، لكنه يُعقب سقماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه ، فيكون المُدَاوَى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب " انتهى من " زاد المعاد " ( 4/143) .
وينظر للفائدة الفتوى رقم : (8795 ) .

2- الدواء المخلوط بالمسكرات :
تواجد المسكر في الدواء له حالان :
الحال الأولى : إذا كانت كمية المسكر قليلة ؛ بحيث لو قُدِّر أن إنساناً شرب من هذا الدواء كميةً كبيرة لا يسكر.
ففي هذه الحال : قد أفتى جماعة من العلماء بجواز شرب مثل هذا الدواء ؛ لأن الخمر حُرِّم شرب قليلها وكثيرها بسبب الإسكار ، أما هذا الدواء فزالت منه علة الإسكار ، فلا يسكر قليله ولا كثيره ؛ فلهذا أجازوا تناوله .
وللفائدة ينظر جواب الفتوى رقم : (40530 ) .
الحال الثانية : أن تكون نسبة المسكر كبيرة في الدواء ؛ بحيث لو قُدِّر أن إنساناً شرب منه كثيراً يسكر ؛ ففي هذه الحال لا يجوز صرفه للمريض لوجود علة الإسكار ، ويصبح حكمه حكم الخمر.
فعَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِتْعِ ؟ فَقَالَ ‏: (‏ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ ) " رواه مسلم ( 2001 ) .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ ) رواه أبو داود ( 3681 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " ( 3681 ) .

3- الدواء المخلوط بالمحرمات النجسة :
كبعض الأدوية التي تحوي شيئا من شحم الخنزير ، أو أجزاء من الميتة ونحو ذلك ، فهنا حالان:
الحال الأولى : استحالة هذه المحرمات النجسة عند خلطها بالدواء .
والاستحالة : " تحوّل الشّيء وتغيّره عن وصفه‏ " انتهى من " الموسوعة الفقهية " ( 3/213) .
فبعض النجاسات أثناء عملية صنع الدواء تتعرض لعمليات كيميائية تجعلها تفقد خواصها وتصبح مواد أخرى .
وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن النجاسة إذا فقدت صفاتها ، وتغيرت ، بحيث أصبحت شيئاً آخر : فقد زال عنها في هذه الحال سبب التنجيس ، فيحكم بطهارتها .
قال القرافي رحمه الله تعالى : " وذلك أن الله تعالى ـلم يقض على الأعيان بأنها نجسة ، ولا متنجسة ، بمجرد كونها جواهر ولا أجساماً ، إجماعا ؛ بل لأجل أعراض خاصة قامت بتلك الأجسام ، من لون خاص ، وكيفية خاصة معلومة في العادة ، فإذا انتفت تلك الكيفية ، وتلك الأعراض : انتفى الحكم ، لانتفاء موجِبه " انتهى من " الفروق " (2/207) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " وعلى هذا الأصل : فطهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس ، فإنها نجسة لوصف الخَبَث ، فإذا زال الموجِبُ زال الموجَبُ ، وهذا أصل الشريعة في مصادرها ومواردها بل وأصل الثواب والعقاب .
وعلى هذا : فالقياس الصحيح تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت ، وقد نبش النبي صلى الله عليه وسلم قبور المشركين من موضع مسجده ، ولم ينقل التراب ، وقد أخبر الله سبحانه عن اللَّبن أنه يخرج من بين فَرْث ودَم ، وقد أجمع المسلمون على أن الدابة إذا عُلِفَت بالنجاسة ، ثم حبست وعلفت بالطاهرات : حلّ لبنها ولحمها ، وكذلك الزرع والثمار إذا سقيت بالماء النجس ، ثم سقيت بالطاهر : حلت ؛ لاستحالة وصف الخبث ، وتبدله بالطيب .
وعكس هذا : أن الطيب إذا استحال خبيثاً ، صار نجساً ؛ كالماء والطعام إذا استحال بولا وعذرة ، فكيف أثرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثاً ، ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيباً ؟
والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب ، ولا عبرة بالأصل ، بل بوصف الشيء نفسه ... " انتهى من " اعلام الموقعين " (3/183) .
وهذا قول الجمهور كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فإن الجمهور على أن المستحيل من النجاسات طاهر ، كما هو المعروف عن الحنفية والظاهرية ، وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد ، ووجه في مذهب الشافعي‏ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/510) .
وينظر للفائدة الفتوى رقم : (97541 ) .

الحال الثانية : إذا كان النجس باقياً في الدواء على هيئته الأصلية ، ولم يتغير إلى مادة أخرى ؛ فمثلا بعض الأدوية تحتوي على شحم الخنزير ، ويبقى على أصله ، لا يتغير حالة تحضير الدواء ، ففي هذه الحال يكون تناوله محرماً ، لأنه تناول لأجزاء من النجاسة .
وللفائدة طالعي كتاب " أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية " لمؤلفه حسن بن أحمد الفكي ، وهو كتاب مفيد لك في تخصصك وأسلوبه سهل ، وتجدينه على شبكة الانترنت .
والحاصل من ذلك كله :
أن المحرم : سواء كان مسكراً ، أو نجساً غير مسكر : إذا كان قد فقد أوصافه التي حرم لأجلها ، فلم يبق لأوصاف النجاسة أثر ، أو لم يبق للمسكر المخلوط بالدواء تأثير بالإسكار : حل تناول هذا الدواء ، وحل وصفه للمريض ، لأن المحرم ، أو النجس : قد استهلك فيه ، ولم يبق له أثر.
وأما إذا كان أثر المُحَرَّم باقياً : لم يحل وصفه ، ولا التدواي به .
وبقاء ذلك من عدمه : يعرفه أهل الخبرة ، بالحس والتجربة ، وتساعد معرفة النسب المخلوطة بالدواء على معرفة ذلك أيضاً .

ثالثاً :
أما ما يخص ذكر أسماء الأدوية التي تحتوي على محرم ، فهذا عليك أن تسألي عنه أهل الاختصاص كالصيادلة المختصين في صنع الأدوية الموثوق بدينهم .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب