السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

زوج يريد التعدد وزوجته وأمه لا يرضيان بذلك وتهدده أمه بالهجر إن تزوج بثانية

217503

تاريخ النشر : 27-06-2014

المشاهدات : 18206

السؤال


أنا بنت عمري٢٥ متزوجة منذ ٧ سنوات ولديَّ ٣ أطفال ، يريد زوجي أن يتزوج بامرأة أخرى ، وذلك لأنه حلم له أن يعدد ، وهذا سبب لنا مشاكل كثيرة ، بعد ما كنا أسعد زوجين ، وأنا أعلم بأن التعدد مشرع ، ولكني لم أستطع تحمل هذا وأمه غاضبة عليه ، وتقول له إن تزوج فهي متبرئة منه ، ولن يراها ، ونحن الآن ليس لدينا منزل ، مقيمين في إقامة العمل ، فهل هذا عذر له بالتعدد ؟ وماذا أفعل أنا ؟ وهل يجب عليه أن يطيع أمه ؟

الجواب

الحمد لله.


أجاز الشرع الحنيف للرجل أن يتزوج بزوجتين وثلاث وأربع ، بشرطين :
الشرط الأول : القدرة على النفقة وتكاليف الزواج , فقد أخرج البخاري (5066) ، ومسلم (1400) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شباباً لا نجد شيئاً ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) .

قال النووي رحمه الله : " اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين ، يرجعان إلى معنى واحد , أصحهما : أن المراد معناها اللغوي ، وهو الجماع ، فتقديره : من استطاع منكم الجماع ، لقدرته على مؤنه ، وهي مؤن النكاح : فليتزوج , ومن لم يستطع الجماع ، لعجزه عن مؤنه : فعليه بالصوم ؛ ليدفع شهوته , ويقطع شر منيِّه ، كما يقطعه الوجاء , وعلى هذا القول : وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ، ولا ينفكون عنها غالبا .
والقول الثاني : أن المراد هنا بالباءة : مؤن النكاح ، سميت باسم ما يلازمها , وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح : فليتزوج ، ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته , والذي حمل القائلين بهذا على ما قالوه ، قوله : ( ومن لم يستطع فعليه بالصوم ) ، قالوا : والعاجز عن الجماع ، لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة , فوجب تأويل الباءة على المؤن , وأجاب الأولون بما قدمناه في القول الأول ، وهو أن تقديره : من لم يستطع الجماع ، لعجزه عن مؤنه ، وهو محتاج إلى الجماع : فعليه بالصوم . والله أعلم . " انتهى من " شرح النووي على صحيح مسلم " (9/173) ، ونقله ابن حجر في " فتح الباري لابن حجر " (9 /108) .

الشرط الثاني: أن يعدل بينهن في النفقة والقَسْم ( المبيت ) , فمن كان غير قادر على العدل : صار التعدد في حقه محظورا , ووجب عليه أن يكتفي بامرأة واحدة , قال تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ مَا مَلَكتْ أيْمانُكم) النساء/ 3 .

وأما غيرة الزوجة الأولى من التعدد : فهي أمر فطري طبيعي ، جبلت عليه النساء ، لا مفر منه بالنسبة لهن , والمرأة غير مؤاخذة عليه - إن شاء الله تعالى - ما دامت الغيرة مجرد هواجس في عقلها ، وانفعالات في صدرها , وكانت في نفس أمرها : راضية بحكم الله وشرعه ، ملتزمة في أقوالها وأفعالها بأحكام الشرع الحنيف وآدابه , فلم تبغ على زوجها ، ولم تنشز عليه .
أما إن ركبت مركب الهوى ، واتبعت خطوات الشيطان ونزغاته ، وسارعت في البغي أو النشوز على الزوج ، أو تحريض الأولاد على أبيهم ، أو طلب الطلاق من غير بأس وقع عليها من ذلك , فهنا تكون قد دخلت في دائرة المؤاخذة ، وتعدت حدود الله سبحانه , ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه .
ولتعلم الزوجة أن الدنيا دار اختبار وابتلاء , وأن الله سبحانه قد خلق الإنسان من نطفة أمشاج ليبتليه , وتزوج الزوج على زوجته الأولى : لا شك أنه نوع من البلاء ، تطالب بالصبر عليه ، كما تطالب بالصبر على غيره من البلاء , فعليها أن تصبِّر نفسها وتسليها .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ ) أخرجه البخاري (1469) ، ومسلم (1053) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
وأخرجه الإمام أحمد (11091) من طريق أخرى بلفظ : ( مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ ، وَمَا أَجِدُ لَكُمْ رِزْقًا أَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) ، وإسناده حسن .

وقَوْله : ( وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاء خَيْرًا وَأَوْسَع مِنْ الصَّبْر ) .
قال القاري رحمه الله : " وَذَلِكَ لِأَنَّ مَقَامَ الصَّبْرِ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ ؛ لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِمَكَارِمِ الصِّفَاتِ وَالْحَالَاتِ ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ أَوْسَعَ : أَنَّهُ تَتَّسِعُ بِهِ الْمَعَارِفُ ، وَالْمَشَاهِدُ ، وَالْأَعْمَالُ ، وَالْمَقَاصِدُ " انتهى من " مرقاة المفاتيح " (4/1311) .

وقال ابن بطال رحمه الله :" أرفع الصابرين منزلة عند الله : من صبر عن محارم الله ، وصبر على العمل بطاعة الله ، ومن فعل ذلك فهو من خالص عباد الله وصفوته ، ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم : ( لن تعطَوا عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر) " انتهى من " شرح صحيح البخارى " (10/182) .

أما من ناحية غضب أمه عليه ، إن تزوج فهذا غضب في غير محله ، ولا يحق للأم أن تقف حجر عثرة أمام ابنها في أمر الزواج الثاني ، فهو أمر مشروع وطريق للصيانة والعفاف , ولربما كان الابن بحاجة للزواج الثاني , فإن من الرجال من لا تعفه المرأة الواحدة ، ويحتاج إلى أكثر من امرأة لشدة شهوته ، ونحو ذلك , فلا يجوز للأم أن تضيق على ابنها في أمر كهذا , ولا يجوز لها أن تهجره أيضا ، فإن الهجر بين المسلمين حرام ، وهو بين ذوي الأرحام أشد وأشنع , ثم إن الابن لم يرتكب من مخالفة الشرع ، ولا من التفريط في بر أمه ما يستوجب الهجر والمقاطعة .

على أننا – أيضا - لا نرى للولد أن يغضب أمه ، ويتزوج وهي كارهة لذلك ، مغاضِبة لولدها بسببه ، فكيف سيكون أمره مع أمه ، وهي على تلك الحال ، مع تقدير أن بعض الأمهات يطول بهن أمر الغضب والهجر لأبنائهن ، من أجل أمر كهذا ، فليس من العقل أو الحكمة أن يمضي في أمر زواجه ، وهو بتلك الحال ، إلا إذا خشي على نفسه العنت ، وشق عليه ألا يتزوج بأخرى .

وإنما عليه أن يسترضي أمه ، ويصبر عليها ، لعلها أن تتراجع عن قرارها هذا ، وأن تعين ابنها على برها ، فرحم الله والدا أعان ولده على بره , وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم : (180630) حكم من أراد التعدد ووالداه يرفضان ذلك .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب