الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

تفصيل خلاف العلماء وأدلتهم في " زكاة الحلي" .

221758

تاريخ النشر : 22-08-2014

المشاهدات : 220933

السؤال


قرأت عدة فتاوى في موقعكم عن وجوب الزكاة في حلي المرأة ، وسمعت من بعض المشايخ أن الزكاة لا تجب في الحلي ، فما سبب هذا الاختلاف ، وما القول الصحيح في المسألة ؟

الجواب

الحمد لله.


أولاً :
اتفق العلماء على وجوب الزكاة في الذهب والفضة إذا كانت نقوداً أو سبائك .
ولكن اختلفوا في الذهب والفضة إذا كانت حُلياً تتزين به المرأة ، هل تجب فيه الزكاة أم لا ؟.
فذهب جمهور العلماء إلى أن استعمال الذهب والفضة في التحلي يخرجهما من الأموال الزكوية ؛ لأن الحلي مالٌ غير قابل للنماء .
وذهب الحنفية إلى أن استعمال الحلي في الزينة واللبس لا يسقط عنه الزكاة ، تمسكاً بالأصل وبما ورد من أحاديث في المسألة .

ثانياً :
ينحصر الخلاف بين العلماء في زكاة الحلي من الذهب والفضة إذا كان مباحا معدًّا للاستعمال ،
فهذه ثلاثة قيود لا بد من اعتبارها عند النظر في المسألة :
1- أن يكون الحلي من الذهب أو الفضة ، فإن كان من غيرهما فلا زكاة فيه بالإجماع .
قال ابن عبد البر : " وَأَجْمَعُوا أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْحَلْيِ إِذَا كَانَ جَوْهَرًا أَوْ يَاقُوتًا ، لَا ذَهَبَ فِيهِ وَلَا فِضَّةَ " انتهى من " الاستذكار" (3/153).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " المجوهرات من غير الذهب والفضة : كالماس ، ليس فيها زكاة ، إلا أن يراد بها التجارة " انتهى من " فتاوى ابن باز " (14/124).

2= أن يكون الحلي مباحا ، أما الحلي المحرم فتجب فيه الزكاة عند جميع العلماء ؛ لأن التحلي به لم يُخرجه عن كونه مالاً زكوياً ؛ لأن الشارع لم يأذن في هذا التحلي ، فصار في حكم غير المستعمل .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ومن ملك مصوغاً من الذهب أو الفضة محرماً ، كالأواني وما يتخذه الرجل لنفسه من الطوق ونحوه ، وخاتم الذهب ، وحلية المصحف ، والدواة ، والمحبرة والمقلمة ، والسرج : ففيه الزكاة ؛ لأن هذا فعل محرم فلم يخرج به عن أصله" انتهى من " الكافي " (1/405).

وقال النووي : " أَمَّا الْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ " انتهى من "روضة الطالبين" (2/260).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " شرح الكافي " : " مثل أن يكون للمرأة سوار على شكل ثعبان ، هذا محرم ؛ لأنه لا يجوز لبس هذا ، أو يكون عليها قلادة على شكل أسد ، هذه محرمة وفيها الزكاة ، أو يكون للرجل خاتم من ذهب ، هذا محرم ففيه الزكاة ، إذا بلغ النصاب" انتهى .
وفي " الموسوعة الفقهية " (18/113) : " اتفق الفقهاء على وجوب الزكاة في الحلي المستعمل استعمالاً محرماً , كأن يتخذ الرجل حلي الذهب للاستعمال " انتهى .

3- أن يكون معدًّا للاستعمال : فمحل النزاع هو الحلي الذي يتخذه الإنسان بقصد الاستعمال والتزين به .
أما لو اتخذ الحلي لا بقصد الاستعمال والزينة ، بل للتجارة ، أو لتأجيره ، أو للادخار والتوفير ، فتجب فيه الزكاة قولاً واحداً .
قال ابن قدامة : " فَأَمَّا الْمُعَدُّ لِلْكِرَى (الإجارة) أَوْ النَّفَقَةِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَسْقُطُ عَمَّا أُعِدَّ لِلِاسْتِعْمَالِ ، لِصَرْفِهِ عَنْ جِهَةِ النَّمَاءِ ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ ، وَكَذَلِكَ مَا اُتُّخِذَ حِلْيَةً فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ " انتهى من " المغني " (4/221) .
وفي " كشاف القناع " (2/234) : " وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مُعَدٍّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ أَوْ إعَارَةٍ ، وَلَوْ لَمْ يُعَرْ أَوْ يُلْبَسْ حَيْثُ أُعِدَّ لِذَلِكَ " انتهى .

ثالثاً :
اختلف أهل العلم في حكم زكاة " حلي الذهب والفضة المباح المعد للاستعمال " خلافاً واسعاً .
ومنشأ الخلاف بينهم :
أنه لم يرِد نص صحيح صريح يوجب الزكاة فيه ، أو ينفيها عنه ، وإنما وردت أحاديث اختلف أهل العلم في ثبوتها ، كما اختلفوا في دلالتها .
ومن أسباب الاختلاف أيضاً : أن قوماً نظروا إلى المادة التي صنع منها الحلي ، فقالوا إنها نفس المعدن الذي خلقه الله ليكون نقداً يجرى به التعامل بين الناس ، والذي وجبت فيه الزكاة بالإجماع ، ومن ثم أوجبوا في الحلي الزكاة كسبائك الذهب والفضة ونقديهما .
ونظر آخرون إلى أن هذا الحلي بالصناعة والصياغة خرج عن مشابهة النقود ، وأصبح من الأشياء التي تُقتنى لإشباع الحاجات الشخصية كالأثاث والمتاع والثياب ، وهذه لا تجب فيها الزكاة بالإجماع ، ومن هنا قال هؤلاء لا زكاة في الحلي .
والقائلون بوجوب الزكاة في الحلي هم : الحنفية ، ورواية عن أحمد ، واختاره ابن المنذر ، والخطابيُّ ، وابن حزم الظاهريُّ ، والصنعانيُّ ، ومن المعاصرين : الشيخ ابن باز ، والشيخ ابن عثيمين ، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء .

وأقوى ما احتجوا به على الوجوب أمران :
الأول : الأحاديث والنصوص العامة التي تأمر بالزكاة في الفضة والذهب ، من غير تفريق بين صنف وآخر ، كحديث (فِي الرِّقَةِ رُبْعُ العُشْرِ) ، وحديث : (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ) .
قال ابن حزم : " لمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ) ، (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ ) وَكَانَ الْحُلِيُّ وَرِقًا ، وَجَبَ فِيهِ حَقُّ الزَّكَاةِ ، لِعُمُومِ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ.
وَأَمَّا الذَّهَبُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ لَا يُؤَدِّي مَا فِيهَا إلَّا جُعِلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ يُكْوَى بِهَا..) فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ ذَهَبٍ بِهَذَا النَّصِّ... فَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ" انتهى من " المحلى بالآثار" (4/191) .
وقبل ذلك عموم قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهب والفضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ).
والحليّ داخل في هذا العموم.
قال الجصاص : " أَوْجَبَ عُمُومُهُ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي سَائِرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذْ كَانَ اللَّهُ إنَّمَا عَلَّقَ الْحُكْمَ فِيهِمَا بِالِاسْمِ ، فَاقْتَضَى إيجَابَ الزَّكَاةِ فِيهِمَا بِوُجُودِ الِاسْمِ دُونَ الصَّنْعَةِ ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ ذَهَبٌ مَصُوغٌ أَوْ مَضْرُوبٌ أَوْ تِبْرٌ أَوْ فِضَّةٌ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ " انتهى من " أحكام القرآن " (4/303) .

وقال الشيخ ابن عثيمين : " والآية عامة في جميع الذهب والفضة ، ولم تخصص شيئاً دون شيء ، فمن ادعى خروج الحلي المباح من هذا العموم فعليه الدليل" . انتهى من " الشرح الممتع " (6/276) .
الثاني : أحاديث خاصة تدل على وجوب الزكاة في الحلي ، وأشهرها ثلاثة :
1- عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ .
فَقَالَ : مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ؟
فَقُلْتُ : صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ : أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ ؟
قُلْتُ : لا .
قَالَ : هُوَ حَسْبُكِ مِنْ النَّارِ .
رواه أبو داود (155) وصححه الحافظ ابن حجر ، والشيخ الألباني .
وضعفه : الترمذي ، والدراقطني ، والذهبي ، وابن عبد الهادي .
ينظر: " سنن الدارقطني " (2/274) ، " تنقيح التحقيق" (1/343) للذهبي ، و"التلخيص الحبير" (2/764) للحافظ ابن حجر .
و (الفتخات) خواتيم كبار .
و (الوَرِق) الفضة .
2- عن عطاء عن أمِّ سلمةَ قالت: كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟.
فَقَالَ : ( مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ ، فَلَيْسَ بِكَنْزٍ) .
رواه أبو داود (1564) بسند رجاله ثقات إلا أن عطاء - وهو ابن أبي رباح - لم يسمع من أم سلمة فيما قاله علي بن المديني .
ومع ذلك فقد صححه ابن القطان، وجودَّ إسناده الحافظ العراقي فيما نقله عنهما الحافظ ابن حجر في " الفتح " (3/272) ، وضعفه الألباني .
أوضاحاً : الوضح حلي من الفضة سميت بذلك لبياضها ، ثم أطلق هذا الاسم على ما يصنع من الذهب أيضا.
3- وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا ، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ لَهَا : أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا ؟
قَالَتْ : لا .
قَالَ : أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ ؟
قَالَ : فَخَلَعَتْهُمَا ، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَتْ : هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ .
والمسكتان: - بِفَتْح الْمِيم وَالسِّين - تَثْنِيَة مَسَكة ، وَهِي السوار .
رواه أبو داود (1563) ، والنسائي (2479) ، وصححه : ابن القطان ، والزيلعي ، وابن الملقن ، وحسنه : النووي والألباني .
وضعفه : الترمذي ، والنسائي ، وابن حبان ، والبيهقي ، وابن حزم ، وابن الجوزي ، وابن كثير .
وقد صح القول بوجوب زكاة الحلي عن ابن مسعود من الصحابة :
فجاء عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ عَنْ حُلِيٍّ ، لَهَا فِيهِ زَكَاةٌ ؟
قَالَ : " إِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَزَكِّيهِ " .
قَالَتْ: إِنَّ فِي حِجْرِي يَتَامَى لِي أَفَأَدْفَعَهُ إِلَيْهِمْ ؟
قَالَ: " نَعَمْ " . انتهى من " مصنف عبد الرزاق الصنعاني " (4/ 83) .

رابعاً :
أما جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة ، فذهبوا إلى عدم وجوب الزكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال .
وقالوا : النصوص العامة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة لا تشمل الحلي ، لأن لفظ ( الرقة ) أو ( الأواقي ) لا تطلق على الحلي ، بل على الذهب المضروب .
قال أبو عبيد : " لَا نَعْلَمُ هَذَا الِاسْمَ فِي الْكَلَامِ الْمَعْقُولِ عِنْدَ الْعَرَبِ يَقَعُ إِلَّا عَلَى الْوَرِقِ الْمَنْقُوشَةِ ذَاتِ السِّكَّةِ السَّائِرَةِ فِي النَّاسِ ، وَكَذَلِكَ الْأَوَاقِيُّ لَيْسَ مَعْنَاهَا إِلَّا الدَّرَاهِمُ ، كُلُّ أُوقِيَّةٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا " انتهى من " الأموال " (ص: 543) .

وقال ابن خزيمة رحمه الله : " اسْمُ الْوَرِقِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّذِينَ خُوطِبْنَا بِلُغَتِهِمْ لَا يَقَعُ عَلَى الْحُلِيِّ الَّذِي : هُوَ مَتَاعٌ مَلْبُوسٌ " انتهى من " صحيح ابن خزيمة " (4/34) .

وقال الشوكاني رحمه الله: " ولا يصح استدلال من استدل على وجوب الزكاة في الحِلية بما ورد من ذكر الزكاة في الورق والزكاة في الرقة في الأحاديث ، لأنه قد ثبت في كتب اللغة : الصحاح والقاموس وغيرهما: أن الورق والرقة اسم للدراهم المضروبة ، فلا يصح الاستدلال بهذين اللفظين على وجوب الزكاة في الحلية ، بل هما يدلان بمفهومهما على عدم وجوب الزكاة في الحلية " انتهى من " السيل الجرار " (ص: 233) .
وكذلك الآية ، فإن لفظ الكنز لا يطلق على الحلي المتخذ للاستمتاع , وإنما المراد بالآية الذهب والفضة التي من شأنها أن تنفق بدليل قوله: ( وَلَا يُنفِقُونَهَا ) وذلك إنما يكون في النقود , لا في الحلي الذي هو زينة ومتاع .

وأما الأحاديث الخاصة الواردة في زكاة الحلي فأجابوا عنها بأنها ضعيفة كلها .
قال الترمذي: " وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا البَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ" انتهى من " جامع الترمذي " (3/29) .

وقال بدر الدين الموصلي : " لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم" انتهى من " المغني عن الحفظ والكتاب " صـ313 .

وقال ابن الجوزي : " كلُّها ضعافٌ" انتهى من " التحقيق" (3/71).
وقال الحافظ ابن رجب : " وفي المسألة أحاديث من الطرفين لايثبت منها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من "مجموع رسائله" (2/708) .

وقال الشوكاني : " فلم يبق في الباب ما يصلح للاحتجاج به ، ... وقد كان للصحابة وأهاليهم من الحلية ما هو معروف ، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالزكاة في ذلك " انتهى من " السيل الجرار " (ص: 233) .

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ : " وصريح ما استدل به الموجب لزكاة الحلي المعد للاستعمال من النصوص المرفوعة: كحديث المسكتين، وحديث عائشة في فتخاتها من الورق، وحديث أم سلمة في أوضاح الذهب التي كانت تلبسها ....
كل ذلك يعلم من تتبع كلام الشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد والنسائي والترمذي والدارقطني والبيهقي وابن حزم أن الاستدلال به غير قوي لعدم صحتها ، ولاشك أن كلامهم أولى بالتقديم من كلام من حاول من المتأخرين تقوية بعض روايات ذلك الصريح " انتهى من " فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ " (4/97) .
وقد حاول بعض من يصحح هذه الأحاديث توجيهها وصرفها عن ظاهرها ، وقيل في ذلك أقوال كثيرة ، ولكنها لا تخلو من ضعف وتكلف .
فقيل: إن هذا كان في الوقت الذي كان الذهب محرما على النساء .
ولو كان هذا صحيحاً ، لنهاهن النبي صلى الله عليه وسلم عن لبسه قبل أمرهن بالزكاة .
وقيل : المراد بالزكاة هنا التطوع لا الفريضة ، أو أن المراد بزكاته : إعارته ، وهذا بعيد لأن الحديث تضمن الوعيد الشديد ، وهذا الوعيد لا يكون لترك مستحب .
وعضد الجمهور قولهم بـ : الآثار الواردة عن الصحابة في عدم وجوب الزكاة في الحلي .
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله - يعني: الإمام أحمد بن حنبل- يقول: " في زكاة الحلي عن خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون فيه زكاة ، وهم : أنس ، وجابر ، وابن عمر ، وعائشة ، وأسماء ". نقله ابن عبد الهادي في " التنقيح " (2/1421) .
قال ابن حزم: " وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ عُمَرَ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ؛ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ عَنْهُمَا صَحِيحٌ " . انتهى من " المحلى بالآثار " (4/ 185) .
* وفي الموطأ (584) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَلِي بَنَاتَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حَجْرِهَا لَهُنَّ الْحَلْيُ فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي : " فلا يخفى أنه يبعد أن تعلم عائشة أن عدم زكاة الحلي فيه الوعيد من النَّبي لها بأنه حسبها من النار ، ثم تترك إخراجها بعد ذلك عمن في حجرها ، مع أنها معروف عنها القول بوجوب الزكاة في أموال اليتامى " انتهى من " أضواء البيان " (2/126) .
* وروى مالك في "الموطأ" (485) عَنْ نَافِعٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتَهُ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ .
* وعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ " عَنِ الْحُلِيِّ هَلْ فِيهِ زَكَاةٌ؟
قَالَ: " لَا " .
قُلْتُ : إِنْ كَانَ أَلْفَ دِينَارٍ؟
قَالَ : " الْأَلْفُ كَثِيرٌ " انتهى من " مصنف عبد الرزاق " (4/82) .
* عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ : " عَنِ الْحُلِيِّ ، أَفِيهِ زَكَاةٌ؟
قَالَ: لَا . انتهى من " الأموال " لابن زنجويه (3/ 979) .
* وعَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ الْمُنْذِرِ ، عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا كَانَتْ لَا تُزَكِّي الْحُلِيَّ وَقَدْ كَانَ حُلِيُّ بَنَاتِهَا قَدْرَ خَمْسِينَ أَلْفًا . انتهى من " الأموال " لابن زنجويه (3/979) .
* وقال يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : سَأَلْتُ عَمْرَةَ ابْنَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ صَدَقَةِ الْحُلِيِّ ، فَقَالَتْ : " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا صَدَّقَهُ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ لِي عِقْدًا , قِيمَتُهُ ثِنْتَا عَشْرَةَ مِائَةً , مَا صَدَّقْتُهُ قَطُّ " . انتهى من " الأموال " لابن زنجويه (3/979) ، " مصنف ابن أبي شيبة " (2/ 383) .
* وعَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : قَالَ : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ قَالَ: " فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ ". " مصنف ابن أبي شيبة " (2/ 384) .
وقال الباجي عن إسقاط الزكاة عن الحلي : " وَهَذَا مَذْهَبٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ " انتهى من " المنتقى شرح الموطأ " (2/ 107) .

وأما القول بوجوب الزكاة في الحلي فلم يثبت عن أحد من الصحابة إلا عن ابن مسعود .
قال أبو عبيد : " وَلَمْ تَصِحَّ زَكَاةُ الْحُلِيِّ عِنْدَنَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، إِلَّا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ " انتهى من " الأموال " للقاسم بن سلام (ص: 544) .
وقالوا : إن قاعدة الزكاة : كل ما كان للقنية والاستعمال الشخصي فلا زكاة فيه .
فكل مال ولو كان أصله زكويا إذا أعد للاستعمال لا زكاة فيه ، كالعوامل من الإبل والبقر ، لأن صاحبها لما أعدها للاستعمال خرجت من أصلها الزكوي إلى أصل غير زكو ي .
قال ابن القيم : " الذَّهَب وَالْفِضَّةَ قسمان:
أَحَدِهِمَا : مَا هُوَ مُعَدٌّ لِلثَّمَنِيَّةِ وَالتِّجَارَةِ بِهِ وَالتَّكَسُّبِ ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَالنَّقْدَيْنِ وَالسَّبَائِكِ وَنَحْوِهَا.
ومَا هُوَ مُعَدٌّ لِلِانْتِفَاعِ دُونَ الرِّبْحِ وَالتِّجَارَةِ ، كَحِلْيَةِ الْمَرْأَةِ وَآلَاتِ السِّلَاحِ الَّتِي يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ مِثْلِهَا ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ " انتهى من " إعلام الموقعين " (2/70) بتصرف يسير .
والحاصل :
أن الخلاف في المسألة قوي ، ولكل قول حججه وأدلته التي يستند عليها .
ومع شدة الخلاف في المسألة يبقى القول بإخراج الزكاة ، فيه أخذ بالحيطة وإبراء للذمة .
قال الخطابي : " والاحتياط : أداؤها " انتهى من " معالم السنن " (2/ 17) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي : " وإخراج زكاة الحلي أحوط ؛ لأن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، والعلم عند الله تعالى" انتهى من " أضواء البيان " (2/134) .
وقد سبق في فتاوى سابقة نقل أقوال الشيخ ابن باز ، والشيخ ابن عثيمين ، واللجنة الدائمة للإفتاء في المسألة . ينظر جواب السؤال : (59866) ، (19901) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب