الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

هل كانت قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية واجبة أول الأمر ، ثم نُسخت ؟

231217

تاريخ النشر : 12-07-2015

المشاهدات : 76826

السؤال

هل قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية واجبة في حق المأموم ؟ لقد كنت أقرؤها باستمرار ، فنبهني أحد أساتذتي إلى أنه لا يجب قراءتها ، مشيرا إلى كلام للشيخ الألباني ذكر فيه أن قراءتها كان واجبا في أول الأمر ثم نُسخ . فأرجو توضيح المسألة بالدليل مع التعرض لرأي الألباني ، لأني أريد عرض ما ستقولون على الأستاذ .

الجواب

الحمد لله.

أولا :
سبق أن ذكرنا اختلاف العلماء في هذه المسألة ، وشيئا من الأدلة التي استدلوا بها ، وأن الراجح هو وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية ، وذلك في الفتوى رقم : (10995) ، (26746) .

ثانيا :
أما الشيخ الألباني رحمه الله ، فإنه يرى أن القراءة خلف الإمام منسوخة ، واستدل على ذلك بما رواه أبو داود (826) ، والترمذي (312) ، وأحمد (7270) ، وابن حبان (1851) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: ( هَلْ قَرَأَ مَعِيَ أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟ ) ، فَقَالَ رَجُلٌ : نَعَمْ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ: ( إِنِّي أَقُولُ مَالِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟ ) ، قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ مِنَ الصَّلَوَاتِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .

غير أن العلماء بينوا أن قوله في الحديث : " فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ ... إلخ" ليس من كلام أبي هريرة رضي الله عنه ، وإنما هو من كلام ابن شهاب الزهري رحمه الله ، فلا يكون فيه حجة حينئذ .
قال أبو داود بعد روايته للحديث :
"سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: "فَانْتَهَى النَّاسُ" مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ " .
وهكذا قال الترمذي أيضا :
" وَرَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ هَذَا الحَدِيثَ، وَذَكَرُوا هَذَا الحَرْفَ: قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: "فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ القِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" .
وقال البيهقي في "السنن" (2/ 226):
" حَفِظَ الْأَوْزَاعِيُّ كَوْنَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، فَفَصَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ "
وقال ابن عبد البر رحمه الله :
" وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : " فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ " إِلَى آخَرِ الْحَدِيثِ : فَأَكْثَرُ رُوَاةِ ابن شهاب عنه لهذا الحديث يجعلونه من كلام ابن شِهَابٍ " انتهى من"الاستذكار" (1/ 464).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَوْلُهُ : " فَانْتَهَى النَّاسُ " إلَى آخِرِهِ ، مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ ، بَيَّنَهُ الْخَطِيبُ ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ ـ فِي التَّارِيخِ ـ وَأَبُو دَاوُد وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالذُّهْلِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمْ " .
انتهى من "التلخيص الحبير" (1/ 565) .
وقال ابْن الْمُلَقِّنِ رحمه الله :
" قَوْلهُ: " فَانْتَهَى النَّاسُ" إِلَخْ ، هُوَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ لَا مَرْفُوعًا، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ ، وَالذَّهَبِيُّ ، وَابْنُ فَارِسٍ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَابْنُ حِبَّانَ ، وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمُ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (2/ 701) .

ومما يدل على أن هذا الكلام ليس من قول أبي هريرة رضي الله عنه ، أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يأمر بقراءة الفاتحة خلف الإمام .
قال البيهقي في "المعرفة" (3/ 77) :
" كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَأْمُرُ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ، فِيمَا جَهَرَ بِهِ وَفِيمَا خَافَتَ ؟ " انتهى .

وقد روى النسائي في "الكبرى" (2895) حديث أبي هريرة هذا وضعفه قائلا :
" فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ راويه : ابْنُ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ ، وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُحَدِّثْ إِلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحْدَهُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ رَآهُ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ . وقَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ أُكَيْمَةَ: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ غَيْرُهُ قَطُّ .
قَالَ النسائي : فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ) فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ: إِنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي وَقَالَ: " يَا فَارِسِيُّ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ "
وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَاوِي الْحَدِيثَيْنِ، وهذا دَلِيلٌ عَلَى ضِعْفِ رِوَايَةِ ابْنِ أُكَيْمَةَ ، أَوْ أَرَادَ بِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أُكَيْمَةَ الْمَنْعَ عَنِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ، أَوِ الْمَنْعَ عَنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ " انتهى .

فالحاصل : أن الصحيح أن هذا الكلام مدرج من كلام الزهري ، وليس من كلام أبي هريرة رضي الله عنه .

وعلى فرض أنه صحيح من قول أبي هريرة ، فالمراد به : النهي عن الجهر بالقراءة خلف الإمام ، أو النهي عن قراءة سورة بعد الفاتحة ، أو نحو ذلك .
وأما المنع من قراءة الفاتحة ، والقول بأنه منسوخ - كما ذهب إليه الشيخ الألباني رحمه الله في "صفة الصلاة" (ص97) فقد تبين ما فيه ، وعدم صحة الأصل الذي بني عليه .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وأما حديث أبي هريرة الذي في السنن أيضا وفيه أنه قال .. : ( فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر به النبي صلى الله عليه وسلم ) ؛ فالمراد بالقراءة التي انتهى الناس عنها : هي قراءة غير الفاتحة؛ لأنه لا يمكن أن ينتهوا عن قراءة سورة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها).
ولهذا كان الصواب أن قول من ادعى أنه منسوخ، أي أن القراءة خلف الإمام الذي يجهر منسوخة . قوله هذا ليس بصواب ؛ لأنه لا يمكن ادعاء النسخ مع إمكان الجمع ، ومن المعلوم أنه إذا أمكن الجمع بطريق التخصيص ، فإنه لا يصار إلى النسخ " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (13/ 131) .

أن الاستدلال بهذا الحديث على نسخ القراءة خلف الإمام : غير ظاهر ، ولا متجه ؛ لأن هذا القول لم يثبت أنه من كلام أبي هريرة ، وإنما هو من كلام الزهري .
وعلى فرض أنه من كلام أبي هريرة : فالمراد أن الناس انتهوا عن قراءة ما زاد على الفاتحة ، حتى يُجمع بذلك بين جميع الأدلة الواردة في هذه المسألة .

وينبغي أن يتنبه أن هذه المسألة هي من مسائل الاجتهاد ، فمن كان عنده القدرة على النظر في الأدلة والترجيح بينها : فإنه يعمل بما ترجح لديه ، ومن لم يكن عنده القدرة على ذلك فإنه يقلد عالما يثق في دينه وعلمه ، ولا يجوز أن تُتخذ هذه المسألة الاجتهادية مثارا للطعن في العلماء ، أو الجدال المؤدي إلى التعصب والتفرق واختلاف القلوب .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب