السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

ما حكم التأمين الاجتماعي الذي تتكفل به الدولة ؟

السؤال

من المعلوم أن بعض الدول تقوم بإجبار الشركات على تأمين عمالها ؛ حيث تقوم الشركة بدفع مبلغ من المال على كل عامل ، ثم يوضع هذا المبلغ عند جهة تسمى صندوق الضمان الاجتماعي ، وهذا الصندوق تابع للدولة ، وكذلك يأخذون كل شهر جزءً من راتب العامل ويضعونه في هذا الصندوق من أجل أن يحصل العامل على التأمين الصحي ، وكذلك على منحة التقاعد بشرط أن يعمل مدة 25 أو ثلاثين سنة . هل هذا النوع من التأمين حرام أو حلال ؟ وإذا كان عندي الخيار في التأمين وعدمه هل لي أن أطلب من الشركة أن تقوم برفع راتبي بشرط عدم حصولي علي التأمين ؟ وهل هناك كتب أو دراسات ألفت في هذا الموضوع ؟

ملخص الجواب

والحاصل : أن التأمين الاجتماعي الذي تقوم عليه الدولة : نوع من التأمينات المباحة ، وهو أقرب شبهاً بالتأمين التعاوني ، ولا حرج من الدخول فيه والاستفادة منه ، سواء كان إجبارياً ، أو اختيارياً. وللاستزادة في الموضوع ينظر: -" الأحكام التبعية لعقود التأمين " ، للدكتور أحمد بن حمد الونيس. -" التأمين التكافلي الإسلامي " للدكتور علي محي الدين القره داغي. - " معالم التأمين الإسلامي " ، تأليف: الدكتور صالح العلي ، والدكتور سميح الحسن. والله أعلم .

الجواب

الحمد لله.

أولاً :
التأمين الاجتماعي : هو التأمين الذي تقوم به الدولة وتشرف عليه بغير قصد الربح ، ويموله : المساهم ، والدولة ، وصاحب العمل ، أو بعضهم ، ويحصل فيه المساهم على التعويض عند تحقق شروطه .
وله صور كثيرة ، منها :
- ما يسمى بالضمان الاجتماعي ، الذي يشمل تعويض الموظف في حال إصابته بمرض أو عجز أو إعاقة ، أو وصوله لسن الشيخوخة ، مقابل اقتطاع جزء من راتبه الشهري .
- نظام التقاعد الذي تجعل الدول من خلاله راتبا للموظف ، عند بلوغه سناً معينا أو بعد قضائه في الوظيفة مدة معينة ، مقابل اقتطاع جزء من راتبه الشهري .
- التأمين الصحي الذي تتكفل فيه الدولة بتقديم العلاج اللازم للموظف المريض ، مقابل قسط شهري يدفعه .
- وكذلك ما تقوم به بعض الدول من تأمين لحالات البطالة ، يتم من خلالها دفع مبالغ مناسبة لأصحابها ، إلى أن يجدوا العمل المناسب ، أو تأمين لحالات الوفاة المبكرة بالنسبة للعوائل المتضررة ، أو التأمين ضد إصابات العمل .
فـ " التأمين الاجتماعي : يقوم على فكرة التضامن الاجتماعي ، لتأمين الأفراد الذين يعتمدون في معاشهم على كسب أيديهم ، من بعض الأخطار التي قد يتعرضون لها ، فتعجزهم عن العمل ؛ كالمرض والشيخوخة والبطالة والعجز ، ويكون في الغالب إجباريا ، ويشترك في دفع القسط مع العامل صاحب العمل والدولة ، وتتحمل الدولة دائما أكبر نسبة من أجزاء القسط المدفوع إلى المؤمن .
وهذا النوع من التأمين يعتبر مظهرا من مظاهر السياسة العامة للدولة ، فهي التي تخطط برامجه ، وتحدد نطاقه ؛ ضمانا لمصالح الطبقات المختلفة في المجتمع ، ورفع مستواها ، وقد تكون الدولة الطرف المؤمن ، ومن صور هذا النوع : التأمينات التقاعدية والاجتماعية والصحية، وغيرها من أنواع التأمينات العامة " انتهى من "أبحاث هيئة كبار العلماء" (4/45).

ثانياً :
التأمينات التي تكون الدولة هي القائمة عليها ، والمتكفلة بها : لا حرج من الدخول فيها ، والاستفادة منها ، ووجه ذلك :
1-أن التأمين الاجتماعي لا يقصد به الاسترباح من أقساط المشاركين فيه ، بل تعود عوائده على الموظفين المشمولين بهذا النظام .
وهذا بخلاف التأمين التجاري الذي يكون مقصوده الأول الحصول على الربح ، والفائض فيه يكون من نصيب أصحاب شركة التأمين .
جاء في بحث هيئة كبار العلماء حول التأمين :
" إن بين الاجتماعي والفردي فرقاً [ المقصود بالفردي الذي يقوم به ، وعليه ، أفراد ، وليس الدولة ] .
فالاجتماعي : القصد الأول فيه التعاون لا التجارة ، فإنْ دَاخَله شوائب تبعث الريبة في جوازه ، أمكن تخليصه منها .
أما التأمين الفردي : فالقصد الأول منه التجارة على غير السنن الشرعي ، ولا ينفك عن الربا والغرر والقمار ؛ لقيام أركانه عليها " انتهى من " أبحاث هيئة كبار العلماء" (4/ 305).
وقال الدكتور علي أحمد السالوس:
"التأمين الاجتماعي ليس تأميناً خاصاً بشخص ، يخشى خطراً معيناً ، حتى يندرج تحت التأمين التجاري ، وإنما هو تأمين عام ، لا يهدف إلى الربح ، ولكن يهدف إلى مساعدة مجموعة من الأفراد ، قد يكثر عددهم جداً فيصل إلى الملايين، مثل ما تقوم به دول للتأمين على أبنائها من العمال والموظفين ، مما يُعرف بنظام التقاعد أو المعاشات، فتقتطع من الأجور والرواتب نسبة معينة، فإذا بلغ سن التقاعد ، أو وصل إلى المعاش : يُصرف له معاش شهري، أو يأخذ مكافأة مالية تساعده في حياته، وكذلك ما يُعرف بالتأمينات الاجتماعية ، والتأمينات الصحية"
انتهى من "موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي" (ص372).
2- أن التأمين الاجتماعي يعد من الرعاية الواجبة على الدولة لمواطنيها في حال العجز والشيخوخة والمرض ونحو ذلك ، وتأمين من يعولهم الموظف بعد وفاته.
والحكومة مسئولة عن تأمين حاجات مواطنيها الأساسية .
قال الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله تعالى : " إن التأمينات الاجتماعية التي تدفعها الدولة أو صندوق المعاشات والتأمين ، أو مصلحة التأمينات للعمال والعاملين والموظفين في الدولة : كلها في تقديري جائزة ؛ لأن الدولة ملزمة برعاية مواطنيها في حال العجز والشيخوخة والمرض ، ونحو ذلك من إعاقة العمل أو الكسب" انتهى من "الفقه الإسلامي وأدلته" (5/116).

ولذلك فما تدفعه لهم الدولة من مبالغ زائدة عن الأقساط المقتطعة –في بعض الحالات - ليس ربا ، ولا يدخل في باب الغرر ، بل هو واجب عليها ، وإنما ساهم الموظف مع الحكومة بجزء من التكلفة على شكل أقساط شهرية أو سنوية .
قال الشيخ ابن عثيمين: "معاشات التقاعد ليس فيها شبهة ؛ لأنها من بيت المال وليست معاملة بين شخص وآخر حتى نقول: إن فيها شبهة الربا ، بل هي استحقاق لهذا المتقاعد من بيت المال، فليس فيها شبهة" انتهى من " اللقاء الشهري " (58/ 28، بترقيم الشاملة آليا) .
وقال الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله تعالى : " ولا ينظر إلى الضريبة التي تقتطعها الدولة من الراتب الشهري ، أو التي يدفعها شهرياً أرباب العمل لمصلحة التأمينات الاجتماعية ، أو المبلغ الذي يدفعه العامل أو الموظف باختياره ، في حدود نسبة مئوية كل سنة، ليحصل على تعويض إجمالي عند الإحالة على التقاعد أو المعاش ، فكل هذه المدفوعات لا ينظر إليها نظرة ربوية ، وإن أخذ الموظف أو العامل أكثر مما دفع ؛ لأن المدفوع في الحقيقة يعد تبرعاً أو هبة مبتدأة وتعاوناً من قبل المشتركين في الصندوق التقاعدي أو التأمينات الاجتماعية ، والتي هي إحدى مؤسسات الدولة" انتهى من "الفقه الإسلامي وأدلته" (5/ 116) .
3-أن التأمين الاجتماعي أشبه بالتأمين التعاوني الذي أباحه العلماء ؛ لأن العلاقة بين الموظف والحكومة قائمة على التعاون والتكافل ، لا المعاوضة والاسترباح ، والهدف من التأمين الاجتماعي تحقيق المصلحة العامة للمجتمع ، بخلاف التأمين التجاري المحرم فالهدف منه مصلحة المستأمِن الخاصة .
قال الدكتور يوسف الشبيلي : " هذا التأمين في الحقيقة : هو تأمين تعاوني ؛ لأنه ليس الغرض منه الاسترباح؛ لأن الدولة ترعاه ، أو المؤسسات العامة ترعاه ، بغرض دعم الموظفين الذين يبلغون سنًّا معينًا لا يستطيعون معها العمل، فهو في الحقيقة تأمين تكافلي تعاوني، وليس تأمينًا تجاريًا " انتهى من" الأسهم والمعاملات المالية المعاصرة" ( أشرطة مفرغة ، 6/ 12).
4-أن هذا القول هو ما اعتمده عامة العلماء المعاصرين ، ولم يخالف في ذلك إلا عدد يسير جداً ، بل قال الشيخ محمد الصديق الضرير : " لا أعلم خلافًا بين الفقهاء المعاصرين في جواز الضمان الصحي بالمعنى الذي بينته ، كما لا أعلم خلافًا في جواز الضمان الاجتماعي ، والتأمينات الاجتماعية التي يستند ويقوم عليها التأمين الصحي ، وقد صدرت قرارات من بعض المجامع الإسلامية بجوازها ، والدعوة إلى تعميمها " انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (13/ 1378).
وجاء في " قرار مجمع البحوث الإسلامية " في مؤتمره الثاني بالقاهرة في المحرم 1385هـ/ مايو 1965م: " نظام المعاشات الحكومي ، وما يشبهه من نظام الضمان الاجتماعي المتبع في بعض الدول ، ونظام التأمينات الاجتماعية المتبع في دول أخرى : كل هذا من الأعمال الجائزة".
ينظر : " فقه النوازل" للجيزاني (3/ 266).
وجاء في " قرار المجمع الفقهي الإسلامي " ، وهو نص قرار هيئة كبار العلماء ، أيضاً: " ما يعطى من التقاعد، حق التزم به ولي الأمر، باعتباره مسئولاً عن رعيته، وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة الأمة، ووضع له نظامًا راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف، ونظر إلى مظنة الحاجة فيهم.
فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها، وعلى هذا لا شبه بينه وبين التأمين، الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية ، التي يقصد بها استغلال الشركات للمستأمنين ، والكسب من ورائهم بطرق غير مشروعة، لأن ما يعطى في حالة التقاعد، يعتبر حقًّا التُزم به من حكومات مسئولة عن رعيتها، وتصرفها لمن قام بخدمة الأمة، كفاءً لمعروفه، وتعاونًا معه ، جزاء تعاونه معها ببدنه وفكره، وقطع الكثير من فراغه في سبيل النهوض معها بالأمة". انتهى من "قرارات المجمع الفقهي الإسلامي" للرابطة (ص: 39) ، "أبحاث هيئة كبار العلماء" (4/313).

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب