الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

ذكر النعم وشكرها يكون بالقلب واللسان والجوارح

السؤال

يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بأن نذكر نعمة الله علينا في كذا وكذا، وذكر نعما عديدة ، مثل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) ) سورة الأحزاب سؤالي هو ، كيف يكون ذكر النعمة كما أمر ربنا ، هل المقصود هو ذكرها أمام الناس والتحدث بها ، أم المقصود تذكرها فقط ، أم ماذا ؟ جزاكم الله كل خير .

الجواب

الحمد لله.

الأمر في هذه الآية الكريمة التي أوردها السائل : هو أمر للصحابة والمؤمنين أن يذكروا نعمة الله وفضله عليهم وإحسانه إليهم في هزيمة أعدائهم ورد كيدهم .

قال ابن كثير رحمه الله :

" يقول تعالى مخبرا عن نعمته وفضله وإحسانه إلى عباده المؤمنين، في صرفه أعداءهم وهزمه إياهم عام تألبوا عليهم وتحزبوا ، وذلك عام الخندق " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/383) .

وحيثما جاء الأمر في القرآن بذكر النعمة فهو يعني : ذكرها بالقلب ، وذلك باستحضار فضل الله على عباده بها ، وذكرها باللسان ، وذلك بالتحدث بها قولا ، وذكرها بالجوارح ، وذلك بأن لا يستخدمها فيما يغضب الله عز وجل .

فذكر النعمة هو شكرها ، ويكون بالقلب واللسان والجوارح ، فكل نوع يصدق الآخر ، وإلا كان الشكر كاذبا .

ولذلك قال الشاعر :

أفادتكم النَّعماءُ مِنِّي ثلاثة* يدي ولساني والضَّمير المحجَّبا .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسير قوله تعالى (واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) البقرة: 231 :

" والذكر يكون بالقلب، واللسان، والجوارح؛ فذكرها باللسان أن تقول: أنعم الله علي بكذا، كما قال تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) الضحى: 11 ؛ فتثني على الله عز وجل بها تقول: اللهم لك الحمد على ما أنعمت علي به من المال، أو الزوجة، أو الأولاد، أو ما أشبه ذلك .

وذكرها بالقلب : أن تستحضرها بقلبك ، معترفا بأنها نعمة من الله .

وذكرها بالجوارح : أن تعمل بطاعة الله، وأن يرى أثر نعمته عليك " انتهى من "تفسير سورة البقرة" (3/132) .

وقال الهروي : "وَمَعَانِي الشُّكْرِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: مَعْرِفَةُ النِّعْمَةِ. ثُمَّ قَبُولُ النِّعْمَةِ. ثُمَّ الثَّنَاءُ بِهَا" .

قال ابن القيم رحمه الله شارحا قول الهروي :

" أَمَّا مَعْرِفَتُهَا: فَهُوَ إِحْضَارُهَا فِي الذِّهْنِ، وَمُشَاهَدَتُهَا وَتَمْيِيزُهَا.

فَمَعْرِفَتُهَا: تَحْصِيلُهَا ذِهْنًا.

وقَبُولُهَا: هُوَ تَلَقِّيهَا مِنَ الْمُنْعِمِ ، بِإِظْهَارِ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ إِلَيْهَا. وَأَنَّ وُصُولَهَا إِلَيْهِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ مِنْهُ، وَلَا بَذْلِ ثَمَنٍ. بَلْ يَرَى نَفْسَهُ فِيهَا كَالطُّفَيْلِيِّ. فَإِنَّ هَذَا شَاهِدٌ بِقَبُولِهَا حَقِيقَةً.

قَوْلُهُ: "ثُمَّ الثَّنَاءُ بِهَا" : الثَّنَاءُ عَلَى الْمُنْعِمِ، الْمُتَعَلِّقٌ بِالنِّعْمَةِ نَوْعَانِ: عَامٌّ، وَخَاصٌّ :

فَالْعَامُّ: وَصْفُهُ بِالْجُودِ وَالْكَرَمِ، وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَسَعَةِ الْعَطَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَالْخَاصُّ: التَّحَدُّثُ بِنِعْمَتِهِ، وَالْإِخْبَارُ بِوُصُولِهَا إِلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 11] .

وَفِي هَذَا التَّحْدِيثِ الْمَأْمُورِ بِهِ قَوْلَانِ :

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ذَكَرَ النِّعْمَةَ، وَالْإِخْبَارَ بِهَا. وَقَوْلُهُ: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ بِكَذَا وَكَذَا. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي اشْكُرْ مَا ذَكَرَ مِنَ النِّعَمِ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: مِنْ جَبْرِ الْيُتْمِ، وَالْهُدَى بَعْدَ الضَّلَالِ، وَالْإِغْنَاءِ بَعْدَ الْعَيْلَةِ.

وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ. كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَجْزِي بِهِ ، فَلْيُثْنِ. فَإِنَّهُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْهِ فَقَدْ شَكَرَهُ. وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) [ الحديث رواه البخاري في الأدب المفرد (215)، وصححه الألباني ] .

فَذَكَرَ أَقْسَامَ الْخَلْقِ الثَّلَاثَةَ: شَاكِرُ النِّعْمَةِ الْمُثْنِي بِهَا، وَالْجَاحِدُ لَهَا وَالْكَاتِمُ لَهَا. وَالْمُظْهِرُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. فَهُوَ مُتَحَلٍّ بِمَا لَمْ يُعْطَهُ.

وَفِي أَثَرٍ آخَرَ مَرْفُوعٍ: (مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ. وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ. وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ. وَتَرْكُهُ كُفْرٌ. وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةٌ عَذَابٌ) [ رواه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (18449) ، وحسنه الألباني] .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّحَدُّثَ بِالنِّعْمَةِ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ [ يعني: آخر سورة الضحى ، وقد سبقت] : هُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ، وَتَبْلِيغُ رِسَالَتِهِ، وَتَعْلِيمُ الْأُمَّةِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ النُّبُوَّةُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ بَلِّغْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ، وَحَدِّثْ بِالنُّبُوَّةِ الَّتِي آتَاكَ اللَّهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ الْقُرْآنُ. أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَهُ.

وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ. إِذْ كَلٌّ مِنْهُمَا نِعْمَةٌ مَأْمُورٌ بِشُكْرِهَا ، وَالتَّحَدُّثِ بِهَا. وَإِظْهَارِهَا مِنْ شُكْرِهَا" انتهى مختصرا من "مدارج السالكين" (2/237) .

وقال ابن القيم رحمه الله عن الشكر :

"وهو مبني على ثلاثة أركان: الاعتراف بها باطناً، والتحدث بها ظاهراً، وتصريفها في مرضاة وليها ومسديها ومعطيها" انتهى من "الوابل الصيب" (ص5) .

وينظر جواب السؤال (125984) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب