الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

حكم الحضرة الصوفية

292106

تاريخ النشر : 15-08-2018

المشاهدات : 89623

السؤال

ما حكم الحضرة الصوفية ، مع الحكمة من ذلك ؟

ملخص الجواب

هذه الحضرة : عمل مبتدع ، مبتدع من حيث الهيئة ، ومن حيث المضمون .  

الجواب

الحمد لله.

الحضرة : هي اسم يطلق على نوع من الذكر الجماعي تقوم به طوائف من الصوفية ؛ حيث يجتمعون في حلقة يرددون فيها طائفة من أورادهم ، وأذكارهم ، وأناشيدهم .

جاء في "دائرة المعارف الإسلامية" (15/140) : " ويطلق (الدراويش) على الحفلات الدينية التي يحيونها بانتظام ، كل يوم من أيام الجمعة : اسم (الحضرات) "  انتهى .

وعادة ما يصاحب ذلك تمايل ، أو حركات رقص، وقد يصاحبها دف أو بعض آلات المعازف، ولكل طائفة من طوائف الصوفية مناسبات معينة يقيمون فيها هذه الحضرة ، ويتعلق كثير منها بقبور من يرونهم أولياء وصالحين.

وهذه الحضرة مما يقطع بعدم جوازها في شرع الله تعالى؛ لأنها حوت جملة من البدع ، والمخالفات ، وبعضها أشد من بعض؛ منها:

الأولى:

أنها تعبّد لله تعالى بما لم يشرعه ؛ والقاعدة التي تضافرت نصوص الشرع على تأكيدها؛ أن الأصل في العبادات التوقيف ، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى.

عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ  رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718).

وقد أنكر الصحابة رضوان الله عليهم على مجرد الذكر الجماعي فكيف إذا صاحبه رقص وغناء؟!

عن عمرو بن سلمة قَالَ: " كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ ، فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا.

قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ.

قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً.

قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ.

قَالَ: أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ.

قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ! هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ.

قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ.

قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ " رواه الدارمي (210)، وصححه الألباني في "سلسة الأحاديث الصحيحة" (5 / 11).

الثانية:

منافاة أدب الذكر من التضرع والخشوع والسكينة .

قال الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ  الأعراف /55.

وقال الله تعالى:  وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ   الأعراف/205 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقد قال تعالى: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً ) فأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكره في نفسه قال مجاهد وابن جريج: أمروا أن يذكروه في الصدور بالتضرع والاستكانة دون رفع الصوت والصياح، وتأمل كيف قال في آية الذكر: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ ) الآية. وفي آية الدعاء: ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) .

فذكر التضرع فيهما معا ، وهو التذلل، والتمسكن، والانكسار وهو روح الذكر والدعاء " انتهى من"مجموع الفتاوى" (15 / 19).

وما يفعله هؤلاء في الحضرة هو مخالف للخشوع والتضرع؛ إذ عادة ما تقرأ الأوراد في هذه الحضرات بالتمايل والتطريب ، والصياح ، وأحيانا بالرقص والدف والمعازف ؛ وهذا كله يخرج هذه الحضرة عن باب التعبد ، حتى تكون باللهو واللعب أشبه منها بالعبادة والخشوع .

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة؛ فمن قبيل ما لا يُختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية ، والأغراض الشيطانية : قد غلبت على كثير ممن نُسِب إلى الخير، وشُهر بذكره ، حتى عموا عن تحريم ذلك ، وعن فحشه؛ حتى قد ظهرت من كثير منهم عوارات الْمُجَّان ، والمخانيث والصبيان، فيرقصون ويزفنون بحركات متطابقة، وتقطيعات متلاحقة؛ كما يفعل أهل السَّفَه والمجون... " انتهى من "المفهم" (2 / 534).

وقال الطحطاوي رحمه الله تعالى في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص 319):

" وأما الرقص والتصفيق والصريخ وضرب الأوتار والصنج والبوق الذي يفعله بعض من يدعي التصوف : فإنه حرام بالإجماع " انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وأما "الرقص" فلم يأمر الله به ولا رسوله، ولا أحد من الأئمة بل قد قال الله في كتابه: ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ )، وقال في كتابه: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ) أي: بسكينة ووقار.

وإنما عبادة المسلمين الركوع والسجود؛ بل الدف والرقص في الطابق ، لم يأمر الله به ولا رسوله، ولا أحد من سلف الأمة؛ بل أمروا بالقرآن في الصلاة، والسكينة " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (11 / 599).

الثالثة:

مما اشتهرت به هذه الحضرات ما يسمى الذكر بالاسم المفرد؛ وهو الاقتصار في الذكر على لفظ "الله" أو الضمير "هو".

وهو ذكر غير مشروع؛ فمجرد ترديد لفظ "الله" أو "هو" لا يفيد معنى؛ حتى يذكر الله تعالى به، فهو من التلاعب بالذكر.

وراجع عن هذا الموضوع جواب السؤال رقم : (9389).

الرابعة:

اتخاذ أعياد مبتدعة تقام فيها هذه الحضرات؛ والشرع لم يشرع من الأعياد التي يحتفل بها إلا عيدين عيد الفطر وعيد الأضحى.

راجع للأهمية جواب السؤال رقم : (10070) ، ورقم : (210264).

الخامسة :

لا تكاد تخلو هذه الحضرات من الأمور الشركية؛ كالاستغاثة ودعاء من مات من الشيوخ والصالحين.

راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (153666).

فالحاصل؛ أن هذه الحضرة : عمل مبتدع ، مبتدع من حيث الهيئة ، ومن حيث المضمون .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب