السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

هل ضمة القبر تكون للجسد فقط؟

295158

تاريخ النشر : 26-08-2024

المشاهدات : 558

السؤال

هل من توضيح حول ضمة القبر؟ وهل القبر يضم الروح والجسد؟ وما المقصود باختلاف الأضلاع؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

ضمة القبر  للميت ثابتة في السنة النبوية ، وهي أوَّلُ ما يلاقيه الميتُ في عالم البرزخ ، وقد جاءت بإثباتها نصوص صريحة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، منها :

عن ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ - لما دفن سعد بن معاذ- :  هَذَا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً، ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ أخرجه النسائي (2055)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2326).

وفي "مسند إسحاق بن راهويه" (2/ 552) : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  سُبْحَانَ اللَّهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ  حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ، لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ لَنَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، وَلَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ  وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5306).

وينظر لمزيد من التفصيل جواب السؤال رقم: (131627).

ثانيًا:

ضمة القبر تكون على الجسد، حال اتصال الروح به؛ لأنها نوع من أنواع عذاب القبر بالنسبة للكافر والمنافق والعاصي.

والأصل أن عذاب القبر يكون على الروح، وقد يكون العذاب على الروح والجسد في بعض الأحيان، ولا يمكن أن يكون العذاب على الجسد فقط ؛ لأنه يكون مجرد جثة هامدة لا شعور فيها ولا إحساس . 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (4/ 284) : " اعلم أن مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه ولبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا، فيحصل له معها النعيم والعذاب.

ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى أجسادها، وقاموا من قبورهم لرب العالمين. ومعاد الأبدان متفق عليه عند المسلمين واليهود والنصارى، وهذا كله متفق عليه عند علماء الحديث والسنة " انتهى.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (47055)، ورقم: (10547 (

ومما دل على أن ضمة القبر تكون على الروح والجسد : ما جاء عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ؛ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، وَذَكَرَ صِفَةَ قَبْضِ الرُّوحَ وَعُرُوجِهَا إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ عَوْدَهَا إلَيْهِ ... إلَى أَنْ قَالَ :

وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، حِينَ يُقَالُ لَهُ: يَا هَذَا مَنْ رَبُّك ؟ وَمَا دِينُك ؟ وَمَنْ نَبِيُّك ؟ .وَفِي لَفْظٍ: 

فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ وَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّك؟ فَيَقُولُ: رَبِّي اللَّهُ. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُك؟

فَيَقُولُ دِينِي الإِسْلامُ .

فَيَقُولانِ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي أُرْسِلَ فِيكُمْ ؟

قَالَ : فَيَقُولُ : هُوَ رَسُولُ اللَّهِ .

فَيَقُولانِ : وَمَا يُدْرِيك ؟

فَيَقُولُ : قَرَأْت كِتَابَ اللَّهِ، وَآمَنْت بِهِ، وَصَدَّقْت بِهِ؛ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ : ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) .

قَالَ : فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَافْرِشُوا لَهُ فِي الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إلَى الْجَنَّةِ قَالَ : فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا قَالَ : وَيُفْسَحُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ قَالَ : وَإِنَّ الْكَافِرَ فَذَكَرَ مَوْتَهُ .

وَقَالَ : وَتُعَادُ رُوحُهُ إلَى جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ : مَنْ رَبُّك ؟

فَيَقُولُ هاه هاه لا أَدْرِي .

فَيَقُولانِ لَهُ : مَا دِينُك ؟

فَيَقُولُ : هاه . هاه لا أَدْرِي .

فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ؛ أَنْ كَذَبَ عَبْدِي، فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إلَى النَّارِ.

قَالَ : وَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا .

قَالَ : وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ .

قَالَ : ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ، مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ، لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا.

قَالَ : فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إلا الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرَابًا . ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ

 .

أخرجه أبو داود (4753)، وأحمد (18534)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( حتى تختلف أضلاعه ) دليل على أن ضمة القبر تقع على الجسد،  حال اتصال الروح به .

ومعنى ( تختلف أضلاعه ) : بفتح الهمزة، جمع ضلع، وهو عظم الجنب ، أي : تزول عن الهيئة المستوية التي كانت عليها من شدة التئام القبر عليه، وشدة الضغطة ، وانعصار أعضائه ، وتجاوز جنبيه من كل جنب إلى جنب آخر .

وينظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1/ 211)، و"تحفة الأحوذي" (4/ 156). 

وهذا الضغط: عذاب وعقاب على الكافر والمنافق.

وأما المؤمن: فإنه يكون من جملة الآلام التي يقدرها الله عليه، ويكفر عنه بها من الخطايا ما يكفر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ما يحصل فى القبر من الفتنة والضغطة والروعة: فإن هذا مما يكفر به الخطايا" . انتهى . "مجموع الفتاوى" (7/500) .

وقال الحافظ الذهبي رحمه الله : "هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء، بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا ، وكما يجد من ألم مرضه ، وألم خروج نفسه ، وألم سؤاله في قبره وامتحانه ، وألم تأثره ببكاء أهله عليه ، وألم قيامه من قبره ، وألم الموقف وهوله ، وألم الورود على النار ، ونحو ذلك . فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد ، وما هي من عذاب القبر ، ولا من عذاب جهنم قط ، ولكن العبد التقي يرفق الله به في بعض ذلك أو كله ، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه . قال الله تعالى : ( وأنذرهم يوم الحسرة ) ، وقال : ( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر ).

فنسأل الله تعالى العفو واللطف الخفي .

ومع هذه الهزات ، فَسَعْدٌ – يعني ابن معاذ - ممن نعلم أنه من أهل الجنة ، وأنه من أرفع الشهداء رضي الله عنه .

كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين، ولا رَوْع ولا ألم ولا خوف ؟!

سل ربك العافية ، وأن يحشرنا في زمرة سعد " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (1/ 290).

والحاصل:

أن ضمة القبر للميت ثابتة، ولن ينجو منها أحد ، وتكون على الجسد مع اتصال الروح به، ولكنها تختلف بين الشدة والرفق بحسب حال الميت.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب