الحمد لله.
أولا : أجل الإنسان : هو مدة بقائه في هذه الدنيا ، وهو الرزق الذي إذا انتهى يموت الإنسان، هو أجله .
والإنسان كسائر المخلوقات التي لها آجال، لا تتقدَّم ولا تتأخَّر؛ فإنّ أجل الشيء هو نهاية مدّته، وعمره مدة بقائه، فالعمر مدة البقاء، والأجل نهاية العمر بالانقضاء.
وقد ثبتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قدَّرَ الله مقادير الخلائق قبل أن يَخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشُه على الماء رواه مسلم(2653).
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذِّكْر كلّ شيء، وخلق السموات والأرض)، وفي لفظ: ثم خلق السموات والأرض. وقد قال تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف: 34]، رواه البخاري: (3191).
والله يعلم ما كان قبل أن يكون، وقد كتب ذلك، فهو يعلم أن هذا يموت بالبطن، أو ذات الجنب، أو الهدم أو الغرق أو غير ذلك من الأسباب، وهذا يموت مقتولًا إما بالسمِّ وإما بالسيف وإما بالحجر وإما بغير ذلك من أسباب القتل والموت.
انظر: "جامع المسائل - المجموعة السابعة"(37).
ومدة عمر الإنسان داخلة في عموم الرزق، وينتهي ما قُسم للإنسان من الرزق بانتهاء أجله، وفي الحديث عن عبد الله، قال: قالت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئًا قبل حله، أو يؤخر شيئًا عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر، كان خيرا وأفضل رواه مسلم: (2663).
ثانيا :
الكلام المذكور له معنى صحيح، معقول، ولا يشكل عليه كل ما ذكر في السؤال.
فإن " الرزق : ما يناله الإنسان من موجودات هذا العالم التي يسد بها ضروراته وحاجاته وينال بها ملائمه .
فيطلق على كل ما يحصل به سد الحاجة في الحياة ، من الأطعمة والأنعام والحيوان والشجر المثمر والثياب ، وما يقتنى به ذلك من النقدين، قال تعالى: وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه النساء/ 8 ، أي مما تركه الميت- وقال: الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا الرعد/ 26 ، وقال في قصة قارون: وآتيناه من الكنوز - إلى قوله- : ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر القصص/76- 82 ، مرادا بالرزق: كنوز قارون . وقال: ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض الشورى/ 27
والرزق شرعا ، عند أهل السنة كالرزق لغة إذ الأصل عدم النقل إلا لدليل، فيصدق اسم الرزق على الحلال والحرام لأن صفة الحل والحرمة غير ملتفت إليها هنا فبيان الحلال من الحرام له مواقع أخرى ولا يقبل الله إلا طيبا وذلك يختلف باختلاف أحوال التشريع مثل الخمر والتجارة فيها قبل تحريمها، بل المقصود أنهم ينفقون مما في أيديهم.
"التحرير والتنوير" (1/234-135) . وينظر: "المعجم الاشتقاقي" (2/794-795) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"لفظ " الرزق " يراد به ما أباحه الله تعالى للعبد وملكه إياه ويراد به ما يتغذى به العبد." انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/545).
وحينئذ، فما مات الإنسان قبل أن يملكه في يده ، أو قبل أن يمتع ، أو ينتفع به : ليس من رزقه الذي كتب له ؛ وهذا واضح ، مفهوم ؛ حتى لو عمل عملا ، فمات قبل أن يتقاضى أجره: لم يكن هذا الأجر من رزقه المقسوم في الدنيا . ولو مات قبل أن يمتع بعافيته، لم تكن هذه العافية من رزقه المقسوم له في الدنيا؛ وهكذا كل ما لم يدخل في جوفه ، أو لم يدخل تحت ملكه وسلطانه، وهو في الدنيا : لم يكن رزقا له.
وفي حديث عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ ، رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
لَيْسَ مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى الْجَنَّةِ ، إِلَّا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ ، وَلَا عَمَلٌ يُقَرِّبُ إِلَى النَّارِ ، إِلَّا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ ، لَا يَسْتَبْطِئَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ رِزْقَهُ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلْقَى فِي رُوعِيَ أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، فَإِنِ اسْتَبْطَأَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رِزْقَهُ ، فَلَا يَطْلُبْهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ فَضْلُهُ بِمَعْصِيَةٍ .
رواه الحاكم في المستدرك (2189)، وغيره ، وقال الألباني: صحيح لغيره .
والحاصل :
أن الكلام المذكور في السؤال : صحيح ، لا غبار عليه .
والله أعلم
تعليق