الحمد لله.
أولا:
القول بأن الحامل والمرضع إذا أفطرتا يطعمان ولا يقضيان، هو قول عبد الله بن عباس وابن عمر رضي الله عنهما، وهو مذهب إسحاق، ورجحه بعض المعاصرين كالشيخ الألباني رحمه الله.
روى ابن الجارود في المنتقى (381)، والبيهقي في السنن (8077) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " رُخِّصَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ الْكَبِيرَةِ فِي ذَلِكَ وَهُمَا يُطِيقَانِ الصَّوْمَ: أَنْ يُفْطِرَا إِنْ شَاءَا، ويُطْعِمَا كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا. ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185]، وَثَبَتَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ الْكَبِيرَةِ إِذَا كَانَا لَا يُطِيقَانِ الصَّوْمَ، وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ: إِذَا خَافَتَا، أَفْطَرَتَا، وَأَطْعَمَتَا كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا".
وروى الدارقطني في سننه (2385) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: "الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ: تُفْطِرُ، وَلَا تَقْضِي".
وروى الدارقطني (2388) عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ امْرَأَتَهَ، سَأَلَتْهُ وَهِيَ حُبْلَى، فَقَالَ: " أَفْطِرِي وَأَطْعِمِي عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَلَا تَقْضِي".
وروى الدارقطني (2389) عَنْ نَافِعٍ ، قَالَ: " كَانَتْ بِنْتٌ لِابْنِ عُمَرَ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَتْ حَامِلًا، فَأَصَابَهَا عَطَشٌ فِي رَمَضَانَ، فَأَمَرَهَا ابْنُ عُمَرَ أَنْ تُفْطِرَ، وَتُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا".
لكن روى البيهقي (8079) عنه التصريح بوجوب القضاء.
قال: " وَقَدْ رَوَى أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ لَبِيبَةَ أَوِ ابْنِ أَبِي لَبِيبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: " أَنَّ امْرَأَةً صَامَتْ حَامِلًا، فَاسْتَعْطَشَتْ فِي رَمَضَانَ، فَسُئِلَ عَنْهَا ابْنُ عُمَرَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تُفْطِرَ وَتُطْعِمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا، ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا، فَإِذَا صَحَّتْ قَضَتْهُ".
ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ.
وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ: تُفْطِرُ , وَتُطْعِمُ , وَتَقْضِي" انتهى.
وقد عزا ابن حزم وابن قدامة إلى ابن عمر رضي الله عنه القول بعدم القضاء.
ينظر: "المحلى" (4/411)، و"المغني" (3/150).
وقد قدما في جواب السؤال رقم:(49794) أن الأرجح في هذه المسألة هو وجوب القضاء دون إطعام، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
ثانيا:
لا حرج على من أخذ بقول ابن عباس رضي الله ومن تبعه؛ فإن المسألة من مسائل الخلاف المعتبر، ولكل قول فيها حظ من النظر.
وعليه؛ فلا يلزم زوجتك قضاء تلك الأيام التي اكتفت فيها بالإطعام عملا بهذا القول، ولو انتقلت الآن إلى القول بوجوب القضاء.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن بعض المعاملات التي يتخذها الناس حيلة على الربا ، وأفتى بجوازها بعض العلماء ، فذكر الأدلة على تحريمها ، ثم قال :
"وَمَا اكْتَسَبَهُ الرَّجُلُ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالْمُعَامَلَاتِ الَّتِي اخْتَلَفَتْ فِيهَا الْأُمَّةُ ، كَهَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَغَيْرِهَا ، وَكَانَ مُتَأَوِّلًا فِي ذَلِكَ ، وَمُعْتَقِدًا جَوَازَهُ لِاجْتِهَادِ ، أَوْ تَقْلِيدٍ ، أَوْ تَشَبُّهٍ بِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَوْ لِأَنَّهُ أَفْتَاهُ بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ فَهَذِهِ الْأَمْوَالُ الَّتِي كَسَبُوهَا وَقَبَضُوهَا : لَيْسَ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا ، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُخْطِئِينَ فِي ذَلِكَ ، وَأَنَّ الَّذِي أَفْتَاهُمْ أَخْطَأَ ، فَإِنَّهُمْ قَبَضُوهَا بِتَأْوِيلِ ...
لَكِنْ عَلَيْهِمْ إذَا سَمِعُوا الْعِلْمَ : أَنْ يَتُوبُوا مِنْ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ .." .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/443- 445) .
وينظر: جواب السؤال رقم:(228411).
والله أعلم.
تعليق