الحمد لله.
منزلة الصحابة
لا يخفى أن للصحابة منزلة عظيمة، ومكانة رفيعة، وقد أثنى الله عليهم، ووصفهم بجميل السجايا ومحاسن الأخلاق، قَالَ تَعَالَى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
وقال: فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ
وَقَالَ تَعَالَى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
وَقَالَ تَعَالَى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا .
وقد قال ابن مسعود: "إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد فاختار محمدًا فبعثه برسالاته، وانتخبه بعلمه، ثم نظر في قلوب الناس بعده فاختار له أصحابه، فجعلهم أنصار دينه، ووزراء نبيه صلى الله عليه وسلم.
رواه "الطيالسي" في "مسنده" (1/ 199)، و"أحمد" في "مسنده" (3600).
وينظر للفائدة : الصحابة أفضل الأمة بعد نبيها
حكم التشبه بالصحابة
التشبه بالصحابة خيرٌ عظيم، ونعمة كبيرة، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَأَسِّيًا فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا وَأَحْسَنَهَا حَالًا، قَوْمًا اخْتَارَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ"، انتهى من "جامع بيان العلم" (2/ 947).
وقال الحسن: "أولئك أصحاب محمد كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فإنهم كانوا ورب الكعبة على الهدي المستقيم"، انتهى "الشريعة" للآجري: (4/ 1685).
حكم تشبيه شخص بالصحابة
تشبيه شخص ما بأحد الصحابة، في شيء من أخلاقه، أو أعماله، أو صورته الخِلْقية: لا حرج فيه، ولا يظهر ما يمنع منه؛ لأنه تشبيه ببعض الوجوه دون بعض، فلو أنك شبهت إنسانًا بأنه شجاع كخالد، أو عالم كمعاذ، أو قوي كفلان من الصحابة، أو ذو صوت حسن كأبي موسى، فهذا جائز ولا بأس به.
بل لو حصل نحو من هذا التشبيه، مع من هو أجل وأعظم، وهو النبي صلى الله عليه وسلم: لم يمنع منه؛ إذا كان المراد به: التشبيه ببعض صفات النبي صلى الله عليه وسلم، وأعماله، وأخلاقه، في غير ما هو من خصائص النبوة.
وقد صدر مثل هذا عن كثير من الصحابة.
عَنْ أَنَس بن مالك قَالَ: "لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ" رواه البخاري (3752).
وقال عن الحسين بن علي: "كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". رواه البخاري (3748).
قال ابن الجوزي: "وَكَانَ من التَّابِعين رجل يُقَال لَهُ كابس بن ربيعَة السَّامِي،... كَانَ يُشبههُ، فَبعث إِلَيْهِ مُعَاوِيَة فَقبل بَين عَيْنَيْهِ، وأقطعه قطيعة، وَكَانَ أنس بن مَالك إِذا رَآهُ بَكَى". انتهى من "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (1/42).
وكذلك قد يكون التشبيه بالهدي والصفات.
قَالَ حُذَيْفَةُ بن اليمان: "إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلًّا، وَسَمْتًا، وَهَدْيًا، بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ" رواه البخاري (6097) أي: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه.
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا، وَدَلًّا، وَهَدْيًا، بِرَسُولِ اللَّهِ فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". رواه الترمذي (3762) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني.
(دَلًّا، وَسَمْتًا، وَهَدْيًا) هَذِهِ الْأَلْفَاظ مُتَقَارِبَةُ الْمَعَانِي، ومَعْنَاهَا: الْهَيْئَة، وَالطَّرِيقَة، وَحُسْن الْحَال وَنَحْو ذَلِكَ. ينظر: "عون المعبود" (14/ 87).
"كَأَنَّهَا أَشَارَتْ بِالسَّمْتِ إِلَى مَا يُرَى عَلَى الْإِنْسَانِ مِنَ الْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ لِلَّهِ، وَبِالْهَدْيِ مَا يَتَحَلَّى بِهِ مِنَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَبِالدَّلِّ حُسْنَ الْخُلُقِ وَلُطْفَ الْحَدِيثِ "انتهى من "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (7/2969).
وينظر جواب السؤال رقم: (179497).
والله أعلم.
تعليق