الحمد لله.
حفظ السنّة النبوية وتعلمها، لا شك أن الأصل أن يكون ذلك كله - للقادر عليه - بلغة العرب التي جاء بها الوحي، وكما وردت في كتب السنّة، وهذا أولى من حفظ معانيها المترجمة إلى لغات أخرى، وذلك لأمرين مهمين:
الأول: أن العربية هي شعار الدين، وهي المختارة من الله تعالى لتبليغه، فكل ما أمكن المسلم أن يتعلم دينه بهذه اللغة فلا يعرض عنها إلى لغة أخرى، وعلى هذا كان سلفنا الصالح.
قال الشافعي رحمه الله تعالى:
" فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير، وأمر به من التسبيح، والتشهد، وغير ذلك.
وما ازداد من العلم باللسان، الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته، وأنزل به آخر كتبه: كان خيرا له" انتهى من "الرسالة" (ص 48 – 49).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" قال الشافعي: ... أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم.
ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها؛ لأنه اللسان الأولى بأن يكون مرغوبا فيه، من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بأعجمية ".
فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية، أن يسمي بغيرها، وأن يتكلم بها خالطا لها بالعجمية، وهذا الذي قاله الأئمة مأثور عن الصحابة والتابعين " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1 / 521 – 522).
الأمر الثاني:
أن الأحاديث المترجمة، هي ترجمة لمعانيها، وجملة من الأحاديث ألفاظها مقصودة ينبغي للحافظ لها أن يعتني بألفاظها قدر طاقته، كأحاديث الأذكار، كما يدل على هذا حديث البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ.
قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، قَالَ: لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ) رواه البخاري (247)، ومسلم (2710).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال: "الرسول" بدل "النبي" أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به، وهذا اختيار المازري ... " انتهى من "فتح الباري" (11 / 112).
وأما غير هذه الأحاديث، فإن جملة منها مختلفٌ في تفسيرها، فترجمتها هي المعنى الذي اختاره المترجم، أو فَهِمَهُ؛ وقد يكون مرجوحا، أو فهما خاصا به، غالطا فيه، أو غالطا في التعبير عنه بلغة الترجمة.
وبعض الأحاديث: ألفاظها العربية تدل على معاني عدة متنوعة، بترجمتها تضيع جملة منها؛ فلا يدرك القارئ لترجمتها إلا معنى واحد، وإذا رام المترجم أن يحيط بكل ما يحتويه الحديث من المعاني طالت الترجمة طولا يمل الحافظ لها.
لكن من لم يقدر على تعلم لسان العرب، أو الحفظ به، فحفظ بلسانه: فهو على خير عظيم، وغايته أن يكون فاته اللفظ، فأدرك المعنى؛ فهو علم نافع أدركه، بل لو كان ذلك في الأذكار، والأدعية والرقى، ونحو ذلك؛ فلا حرج عليه أن يدعو بها، ويذكر الله بلسانه الذي قدر عليه.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (262254)، ورقم: (318586).
والخلاصة:
ينبغي للقادر على العربية، أن يدرس السنة النبوية ويحفظها بلغة العرب، وبألفاظها الواردة في كتب السنّة، لأن العربية شعار الدين وبها جاء الوحي.
كما أن في حفظها بالعربية حفظ لألفاظها، وبعض السنة ألفاظها مقصودة ومطلوبة كالأذكار، و في ذلك أيضا حفظ لكافة معانيها؛ التي قد يسقط بعضها بسبب الترجمة.
والله أعلم.
تعليق