الحمد لله.
إذا لم ترغب المرأة في الزواج برجل أسود اللون: فهذا لا حرج عليه فيه من حيث الأصل، بل هذا أمر إلى اختيارها؛ كما أن لها الحق في أن تتزوج من يعجبها شكله، أو ترضاه لنفسها، وحتى لو كان مبدأ رضاها به أمرا دنيويا، من كونه ذا حسب، أو ذا مال، أو نحو ذلك؛ فهذا كله مما لا حرج عليها فيه. ولا يكلفها الشرع أن تتزوج من شخص بشرته سمراء، أو غير ذلك، ونفسها لا تقبله.
وسواء نظرت في ذلك إلى نفسها، وما يميل إليه طبعها، أو نظرت إلى أولادها في المستقبل بعد ذلك، إذا كان الحال ما ذكرت في السؤال؛ فهذا كله لا حرج عليها فيه.
وإنما الممنوع في ذلك كله، سواء تزوجت أم لم تتزوج، أن يتعالى المسلم على غيره، لأجل لون، أو عرق، أو غير ذلك، مما هو من أمر الدنيا الحقير، او يحتقر المرء أخاه المسلم.
روى مسلم في "صحيحه" (2654) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ ).
وفي "مسند أحمد" (23489) عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ " قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ ). قال محققو المسند: "إسناده صحيح".
ويتقرر ما ذكرناه بأمرين:
الأول:
أن التعالي على الناس أو سبهم ومنع حقوقهم بسبب الجنس واللون إنما حرّمت بسبب ما فيها من الظلم والكبر على عباد الله تعالى.
وعدم رغبة المرأة في الزواج بذي بشرة سوداء لدفع الضرر، ليس من الظلم ولا من الكبر .
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (125973)
الثاني:
أن الشرع أعطى للمرأة الحق في اختيار زوجها، ونهى عن اكراهها على الزواج بمن لا ترغب.
ولا حرج في اختيار المرأة لزوج على وجه معيّن من الحسن.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ ) رواه البخاري (5090) ومسلم (1466).
قال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى:
" و(قوله: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها): أي: هذه الأربع الخصال هي المرغِّبة في نكاح المرأة. وهي التي يقصدها الرجال من النساء؛ فهو خبر عما في الوجود من ذلك، لا أنه أمر بذلك.
وظاهره: إباحة النكاح؛ لقصد مجموع هذه الخصال، أو لواحدة منها، لكن قصد الدين أولى وأهم؛ ولذلك قال: (فاظفر بذات الدين تربت يمينك) " انتهى. "المفهم" (4 / 215).
والخطاب وإن كان متعلقا بالرجال فهو يتناول النساء، فهن شقائق الرجال، ويعجبها من الرجل، ما يعجب الرجل منها؛ وهذا واضح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ثم لو شرط أحد الزوجين في الآخر صفة مقصودة؛ كالمال، والجمال، والبكارة، ونحو ذلك: صح ذلك، وملك المشترط الفسخ عند فواته، في أصح الروايتين عند أحمد، وأصح وجهي أصحاب الشافعي وظاهر مذهب مالك... " انتهى. "مجموع الفتاوى" (29 / 175).
فالحاصل؛ أنه لا حرج عليك فيما ذكرت ما دام بقصد دفع الضرر، وليس بقصد الكبر، مع تحري الزواج بصاحب الدين والخلق.
على أننا ننصحك بأن يكون نظرك الأول: على دين الرجل، وخلقه، فبهذا يحصل تمام العشرة بينكما. وقد تنكحين أبيض البشرة، فيقدر الله شبه الولد ببشرتك أنت، لا بشرة أبيه، وهذا ظاهر معروف. فهذا قدر الله المحض، ليس باختيار العبد؛ ومن سعادة ابن آدم أن يرضى باختيار الله له، وقضائه عليه، ويثني عليها سبحانه بما هو أهله. ولعل الله أن يجبرك بصلاح أولادك، وفلاحهم في أمر دينهم ودنياهم، ويدفع عنهم الأذى، بحوله وطوله.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (179441) ورقم (178693) ورقم (204615)
والله أعلم.
تعليق