الحمد لله.
نعم ؛ الحمد لله رب العالمين ، وهو سبحانه المحمود على كل حال ، المستحق لكل كمال ، وجمال ، وجلال !!
لم نجد ، أيتها الأخت الكريمة ، ما نستفتح به جوابنا عليك ، ونصيحتنا إليك ، خيرا من هذا الحديث ، من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وأدعيته الكريمة المباركة :
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ ، قَالَ : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلَاتِي ، وَنُسُكِي ، وَمَحْيَايَ ، وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ .
اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، أَنْتَ رَبِّي ، وَأَنَا عَبْدُكَ ، ظَلَمْتُ نَفْسِي ، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي ، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا ، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا ، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ .
لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ) !!
وَإِذَا رَكَعَ، قَالَ :
( اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي ، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي ) .
وَإِذَا رَفَعَ ، قَالَ :
اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ .
وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ : ( اللهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ ، وَصَوَّرَهُ ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) .
ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ :
( اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ). رواه مسلم في صحيحه (771) .
فانظري ، يا أمة الله ، كيف دار الأمر بين حمد الله بما هو أهله ، والثناء عليه بجميل صفاته وأفعاله ، وتنزيهه سبحانه عن ظن السوء ، بنسبة الشر إلى فعله ، أو شرعه ، أو توهم النقص في شأنه كله ، جل سبحانه ،
واعتراف العبد بين يدي ربه ، بنعمه سبحانه عليه ، وبظلم العبد لنفسه .
والافتقار إليه : في مغفرة الذنب ، وستر العيب .
وهذا كله : أول باب لنجاة العبد .
أن يطَّرِح بين يدي ربه ، ويفوض أمره إليه ، ويرضه به ربا ، مصرفا ، مدبرا ، خالقا ، رازقا ، ويعلم أن الشر لا ينسب إليه سبحانه ، بل أول الشر وآخره ، ومفتتحه وخاتمته : من ذنب العبد ، وتفريطه في أمر ربه .
ولهذا كان من جليل فقه الأنبياء : أن علموا ، وعلمونا : أن مفتاح النجاة : هو في التبري من الذنب كله ، والتوبة إلى الله ، والاعتراف إليه بظلم العبد لنفسه .
قال الله تعالى : ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) الأنبياء/87-88 .
فانظري ـ يا أمة الله ـ إلى حال ذلك النبي الكريم ، يونس عليه السلام ، وهو في تلك الشدة ، وذلك الغم ، وتلك الظلمات المتكاثفة ، لكنه : أقر لله تعالى بكمال الألوهية ، ونزهه عن كل نقص ، وعيب وآفة ، واعترف بظلم نفسه وجنايته .
قال الله تعالى : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) !!
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" وهذا وعد وبشارة لكل مؤمن وقع في شدة وغم : أن الله تعالى سينجيه منها ، ويكشف عنه ، ويخفف ، لإيمانه كما فعل بـ " يونس " عليه السلام" انتهى من تفسير السعدي (ص 529 ) .
يا أمة الله ؛
لا تظني أننا لا نقدر معاناتك ، وبلاءك ؛ كلا ـ علم الله ـ أننا نألم لألمك ، ونشعر بما أنت فيه ؛ لكننا قبل ذلك كله : نؤمن بخبر الله وخبر نبيه : أن الآلام ، وضيق الأرزاق ، والمنع أو العطاء ، ليس شيء من ذلك كله دليلا على سخط الله على عبده ؛ وإنما هي أرزاق يسوقها الله لمن يشاء من عباده ، مؤمنهم وكافره ، برهم وفاجرهم ، لحكمة بالغة :
( كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) الإسراء/20 ، وقال تعالى أيضا : ( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا ) يعني : ليس الأمر كما ظننتم ، ولا هو بهذا القانون ؛ فقد يكون العبد ذا كرامة عند ربه ، ثم لا يعطيه الرزق يطلبه ، وقد يكون مهانا عنده ، ساقط المنزلة لديه : ثم يعطيه طلبه من الدنيا .
يا أمة الله ،
ليس البلاء دليلا على أن العبد أذنب ، وأن الله يعاقبه بذلك الذنب في الدنيا ؛ ليس هذا دليلا على ذلك ، وليس في شرع الله ما يدل على هذه الملازمة ؛ فقد يكون الأمر كذلك ، وقد يكون اختبارا من الله لعبده ، وقد يكون كفارة لسيئاته ، لا انتقاما منه ، وقد يكون رفعة لدرجاته ، وقد يكون ، وقد يكون ، لا نتألى على الله ، ولا نتحكم على غيبه بشيء ، كيف لنا أن نقتنع بوجهة نظرك ، وأنت في ذلك البلاء ، وعندنا خبر من نبي الله بغير ذلك :
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ فَاطِمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:
" أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعُودُهُ فِي نِسَاءٍ ، فَإِذَا سِقَاءٌ مُعَلَّقٌ نَحْوَهُ يَقْطُرُ مَاؤُهُ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ مَا يَجِدُ مِنْ حَرِّ الْحُمَّى ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوْ دَعَوْتَ اللهَ فَشَفَاكَ ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) رواه أحمد (27079) وغيره ، وصححه الألباني .
يا أمة الله ؛ هل سمعت بنبي
الله أيوب ، وقصته ، وبلائه ، وصبره ؟!
إن ناسا من الناس ، قد ظنوا أن هذا البلاء كله ، قد كان لأجل ذنب عظيم :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلمَ قَالَ:
( إِنَّ أَيُّوبَ ، نَبِيَّ اللهِ ، كَانَ فِي بَلاَئِهِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً
، فَرَفَضَهُ القَرِيبُ وَالبَعِيدُ ، إِلاَّ رَجُلاَنِ مِنْ إِخْوَانِهِ ، كَانَا
مِنْ أَخَصَّ إِخْوَانِهِ ، كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ إِلَيْهِ ،
فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : أَتَعْلَمُ ، وَاللهِ : لَقَدْ أَذْنَبَ
أَيُّوبُ ذَنْبًا ، مَا أَذْنَبَهُ أَحَدٌ !!
قَالَ صَاحِبُهُ : وَمَا ذَاكَ؟
قَالَ: مُنْذُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً ، لَمْ يَرْحَمْهُ اللهُ ، فَيَكْشِفُ
عَنْهُ ؟!
فَلَمَّا رَاحًا إِلَيْهِ ، لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ؟!
فَقَالَ أَيُّوبُ: لاَ أَدْرِي مَا يَقُولُ ؛ غَيْرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنِّي
كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرِّجْلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ ، فَيَذْكُرَانِ اللهَ ،
فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي ، فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللهُ
إِلاَّ فِي حَقٍّ !!
قَالَ: وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى حَاجَتِهِ ، فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَمْسَكَتِ
امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ ، أَبْطَأَ
عَلَيْهَا وَأُوحِيَ إِلَى أَيُّوبَ فِي مَكَانِهِ أَنِ : ( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ،
هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ) ؛ فَاسْتَبْطَأَتْهُ ، فَتلَقَّتهُ يَنظُرُ ،
وَأَقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أَذْهَبَ اللهُ مَا بِهِ مِنَ البَلاَءِ ، وَهُوَ عَلَى
أَحْسَنِ مَا كَانَ !!
فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ : أَيْ بَارَكَ اللهُ فِيكَ ؛ هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ
اللهِ هَذَا المُبْتَلَى ؟ وَوَاللهِ عَلَى ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ
بِهِ مِنْكَ ، إِذْ كَانَ صَحِيحًا ؟!
قَالَ: فَإِنِّي أَنَا هُوَ !!
وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ : أَنْدَرٌ لِلْقَمْحَ ، وَأَنْدَرٌ لِلشَّعِيرِ ،
فَبَعَثَ اللهُ سَحَابَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ
القَمْحِ : أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ ، وَأَفْرَغَتِ الأُخْرَى
عَلَى أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الوَرِقَ حَتَّى فَاضَ !!
رواه أبو يعلى في مسنده (3617) ، وابن حبان في صحيحه (2898) قال البوصيري في "إتحاف
الخيرة" : إسناده صحيح اهـ ، وصححه الألباني في "الصحيحة" رقم (17) .
أرأيت ، يا أمة الله ؛ كيف لبث البلاء ، بنبي الله أيوب ، ذلك الزمان كله ؟!
أرأيت كيف أن الناس قد انصرفوا عنه ، كلهم ؛ فلم يبق له منهم إلا امرأته ، ورجلان
من أصدقائه ؟!
أرأيت ، كيف أن الرجلين تحدثا عن ذلك البلاء : أنه ما كان إلا لذنب عظيم ، اقترفه
نبي الله أيوب ؟!
ثم : أرأيت ؛ كيف تضرع إلى ربه ، حتى كشف عنه الضر والبلوى :
( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ
أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ
) الأنبياء/83-84 .
قال القاسمي رحمه الله في تفسيره "محاسن التأويل" (7/213) :
"أي : اذكر أيوب وما أصابه من البلاء ودعاءه ربه في كشف ما نزل به ، واستجابته
تعالى دعاءه ، وما امتن به عليه في رفع البلاء ، وما ضاعف له بعد صبره من النعماء ،
لتعلم أن النصر مع الصبر ، وأن عاقبة العسر اليسر ، وأن لك الأسوة بمثل هذا النبيّ
الصبور، فيما ينزل أحيانا بك من ضرّ ، وأن البلاء لم ينج منه الأنبياء ؛ بل هم أشد
الناس ابتلاء" انتهى.
هل سمعت بعمران بن حُصين ،
صاحب نبي الله ، صلى الله عليه وسلم ؟!
لقد اسْتُسْقِيَ بَطْنُهُ [ مرض بالاستسقاء] فَبَقِيَ مُلْقًى عَلَى ظَهْرِهِ
مُدَّةً طَوِيلَةً ، نحوا من ثلاثين سنة ، لَا يَقُومُ ، وَلَا يَقْعُدُ ، [لم يكن
يستطيع أن يذهب إلى الخلاء ] ، فنُقِبَ لَهُ فِي سَرِيرِهِ مَوْضِعٌ لِحَاجَتِهِ ،
فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشِّخِّيرُ ، فَجَعَلَ يَبْكِي
لِمَا رَأَى مِنْ حَالِهِ .
فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: لِمَ تَبْكِي ؟
فَقَالَ: لِأَنِّي أَرَاكَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ الْفَظِيعَةِ .
فَقَالَ: لَا تَبْكِ ؛ فَإِنَّ أَحَبَّهُ إِلَيَّ ، أَحَبُّهُ إِلَيْهِ !!
وَقَالَ : أُخْبِرُكَ بِشَيْءٍ ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ ، وَاكْتُمْ
عَلَيَّ حَتَّى أَمُوتَ ؛ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَزُورُنِي ، فَآنَسُ بِهَا ،
وَتُسَلِّمُ عَلَيَّ فَأَسْمَعُ تَسْلِيمَهَا !!
وَلَمَّا قَدِمَ سَعْدُ بْنُ
أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ - وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ -
جَعَلَ النَّاسُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ لِيَدْعُوَ لَهُمْ ، فَجَعَلَ يَدْعُو لَهُمْ
.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ : فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا غُلَامٌ ،
فَتَعَرَّفْتُ إِلَيْهِ ، فَعَرَفَنِي ؛ فَقُلْتُ : يَا عَمُّ ، أَنْتَ تَدْعُو
لِلنَّاسِ ، فَيُشْفَوْنَ ، فَلَوْ دَعَوْتَ لِنَفْسِكَ لَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ
بَصَرَكَ ؟!
فَتَبَسَّمَ ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، قَضَاء اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
بَصَرِي .
" مدارج السالكين " ، لابن القيم (2/217) .
يا أمة الله ؛ تريدين منا أن
نغفل عن ذلك كله ؟!
يا أمة الله ، تريدين منا ألا نقول : إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون
؟!
فهب أنك تعلمين ذلك ، وتقولينه للناس ؛ أليس يحتاج إلى الإنسان إلى من يذكره بربه :
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) الذاريات/55 .
يا أمة الله ، إننا على يقين بأنك لو لم تكوني بحاجة إلى الناصح الصادق الذي يذكرك
بربك ، ويعينك على طاعته ، ويثبت قلبك : ما توجهت بسؤالك إلينا أصلا ، وأنت تعلمين
ما سنقوله لك !!
عَنْ جَابِرٍ ، رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلَاءِ
الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ
) رواه الترمذي (2402) وحسنه الألباني .
يا أمة الله : هل من العقل في شيء أن يشكو العبد من حر الشمس ، فيلقي نفسه في نار
تلظى ؟! أن يحرقه ضوء شمعه ؛ فيرمي نفسه في أفران من النيران ؟!
يا أمة الله ؛ أما والله لو كانت راحتك فيما تريدين من إنهاء حياتك ، وقضاء حتفك :
لقلنا لك : هيا ، وأسرعي ؛ فأي شيء في هذه الدنيا يستحق البكاء عليه ؟
وَلَو أَنّا إِذا مُتنا تُرِكنا * لَكانَ المَوتُ راحَةَ كُلِّ حَيِّ
وَلَكِنّا إِذا مُتنا بُعثِنا * وَنُسأَلُ بَعدَ ذا عَن كُلِ شَيءِّ
أتهربين من تعب أيام معدودات ، يوشك أن تمضي عنا ، ونمضي عنها ، كيفما كان الأمر ،
وتوشك دنيا الناس أن تفنى وتنقضي ، كما كان حال السابقين : برهم وفاجرهم ، شقيهم
وسعيدهم ؛ فكيف تفعلين بيوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فكيف تفعلين بدار لا زوال
لها : فإما نعيم مقيم ، وإما عذاب اليم ؟!
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم:
( كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ ، فَجَزِعَ ، فَأَخَذَ
سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى : بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ
" متفق عليه .
وينظر جواب السؤال رقم : (111938)
، ورقم : (131891) ،
ورقم : (105461) .
يا أمة الله ؛
من الذي أدراك أن الله لم يقبلك ، أو لم يقبل توبتك ؟!
ألأجل ما نزل بك من البلاء ؟
فقد نزل بأنبياء الله ، وأوليائه الصالحين ، وعباده المقربين : ما هو أشد وأفظع مما
نزل بك ، مما سمعت بشيء منه ، أو لم تسمعي ؛ واقرئي في سير الصالحين ، وسوف ترين
ذلك أمامك عيانا ؛ ثم أي الناس لم تصبه القوارع والنوازل في الدنيا ؟
ألأجل ذنب عظيم ، أو حقير ، كبير أو صغير ، ألممت به ؟
فمن قال : إن الذنب آخر الدنيا ، وإن الله يغلق بابه عن عبد أتاه ؟
قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ
لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا
لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ *
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) الزمر/53-55 .
وقال تعالى أيضا :
( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا
فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ
مَتَابًا ) الفرقان/68-71 .
ألأجل أن تأخر بك البلاء ، وأبطأ عنك إجابة الدعاء ؟!
فمن أدراك يا أمة الله ؛ أن الله لم يصطنع لك خيرا مما تظنين ، والله أولى بالجميل
؟
من أدراك أن الله لم يدخر لك من الخير ، ما هو خير مما تطلبين ؟
من أدراك أن الله لم يصرف عنك من الشر ، ما هو شر مما تشتكين ؟
أليس الله هو أولى بالجميل ، وأولى بظن الخير ، وحسن الظن به ، وهو يمدح نفسه ،
ويقول : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ
وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا
تَذَكَّرُونَ ) النمل/62 .
نأمل أن تراجعي جواب هذين السؤالين (103099)
، و(153316) .
يا أمة الله ،
أبشري ، وأملي بالذي يسرك ، وأحسني الظن بربك ، وأقبلي عليه ، وألحي ببابه ، ولا
تعجلي ، وإنا والله لنرجو لك فرجا ومخرجا ، عما قريب ، إن شاء الله ؛ فإن مع العسر
يسرا ؛ إن مع العسر يسرا !!
وأخيرا ؛
فنحن نقترح عليك أن يكون منك مبادرة بمعونة بعض أهل الثقة الناصحين ، أن يسعوا في
تزويجك برجل صالح ، مناسب ، فلعل الله أن يجبر كسرك به ، ويشغلك طيب عيش معه ، ما
مر بك من بؤس ؛
على أننا نبشرك ، أن حال الدنيا ، كما قلنا لك : لا يبقى ، فيوم شقاء ، ويوم نعيم ،
ويوم نساء ، ويوم نسر ؛ وعلى هذا جبلت الدنيا :
( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ
الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) آل
عمران/140 .
يسر الله لك أمرك ، وجبر كسرك ، وأقال عثرتك ، وكشف ما بك من الضر والبلوى ، وأبدلك
فرحا وسرورا ونعيما ، في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .
تعليق