الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

مال والده مختلط بالربا، فهل له أن يدخر منه رأس مال للتجارة؟

388573

تاريخ النشر : 18-06-2023

المشاهدات : 1747

السؤال

أنا طالب جامعي، ووالدي لديه عمل، مصدر دخله حلال، ولكن لديه مصدر دخل آخر من وديعة بنكية في بنك ربوي، وقد تحدثت معه كثيرا حول هذا الأمر، ولكنه لم يقتنع، يخبرني أنه غير مسؤول؛ لأن دار الإفتاء المصرية أفتت بأن فوائد البنوك حلال. سؤالي هو: هل يوجد علي ذنب لأكلي من هذا المال الحرام؟ وهل لن يستجيب الله دعائي، فأنا أردت أن أبحث عن عمل، لكني لم أستطع بسبب دراستي؟ لم أجد غير التجارة، فهي لا تحتاج وقتا كثيرا مثل الوظيفة، وأستطيع أدائها إلي جانب الدراسة دون تقصير، ولكنها تحتاج إلى رأس مال، ولكن المال الذي أملكه من مصروفي الذي ادخرته من مال والدي المختلط ، فهل يجوز لي الانتفاع به، أم ما بني على باطل فهو باطل؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

يحرم إيداع المال في البنوك الربوية، والفائدة الناتجة عن ذلك كسب محرم لا يحل لكاسبه.

وأما أولاده وزوجته، ونحوهم ممن ينفق عليهم، أو يعطيهم عطية، أو يعاملهم معاملة مشروعة: فلهم الأكل من ماله ولو كان اكتسبه من الحرام، والإثم عليه.

فالمال المحرم لأجل طريقة كسبه إنما يَحرم على الكاسب فقط، ولا يحرم على من أخذه منه بوجه مباح كالنفقة أو الهبة أو الإرث، في أظهر قولي العلماء.

قال محمد عليش المالكي رحمه الله: " واختلف في المال المكتسب من حرام، كربا ومعاملة فاسدة، إذا مات مكتسبه عنه: فهل يحل للوارث -وهو المعتمد - ، أم لا؟

وأما عين الحرام، المعلوم مستحقه، كالمسروق والمغصوب: فلا يحل له ".

انتهى من "منح الجليل شرح مختصر خليل" (2/416).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قال بعض العلماء: ما كان محرما لكسبه، فإنما إثمه على الكاسب، لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب، بخلاف ما كان محرما لعينه، كالخمر والمغصوب ونحوهما، وهذا القول وجيه قوي، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتري من يهودي طعاما لأهله، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر، وأجاب دعوة اليهودي، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا، ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة: (هو لها صدقة ولنا منها هدية) " "القول المفيد على كتاب التوحيد" (3/112).

وسئل رحمه الله: " أبي غفر الله له يعمل في بنك ربوي ، فما حكم أخذنا من ماله وأكلنا وشربنا من ماله ؟ غير أن لنا دخلاً آخر وهو من طريق أختي الكبيرة فهي تعمل ، فهل نترك نفقة أبي ونأخذ نفقتنا من أختي الكبيرة مع أننا عائلة كبيرة ، أم أنه ليس على أختي النفقة علينا فنأخذ النفقة من أبي؟ أفتنا جزاك الله خيراً وحفظك.

فأجاب: أقول: خذوا النفقة من أبيكم، لكم الهناء وعليه العناء؛ لأنكم تأخذون المال من أبيكم بحق؛ إذ هو عنده مال وليس عندكم مال، فأنتم تأخذونه بحق، وإن كان عناؤه وغرمه وإثمه على أبيكم فلا يهمكم ، فها هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل الهدية من اليهود ، وأكل طعام اليهود ، واشترى من اليهود، مع أن اليهود معروفون بالربا وأكل السحت ، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يأكل بطريق مباح، فإذا ملك بطريق مباح فلا بأس . انظر مثلاً بريرة مولاة عائشة رضي الله عنهما ، تُصدق بلحم عليها ، فدخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوماً إلى بيته ووجد البُرمة -القدر- على النار ، فدعا بطعام ولم يؤت بلحم ، أتي بطعام ولكن ما فيه لحم ، فقال : ألم أر البرمة على النار؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، ولكنه لحم تُصدق به على بريرة . والرسول عليه الصلاة والسلام لا يأكل الصدقة ، فقال : ( هو لها صدقة ولنا هدية ) فأكله الرسول عليه الصلاة والسلام مع أنه يحرم عليه هو أن يأكل الصدقة ؛ لأنه لم يقبضه على أنه صدقة بل قبضه على أنه هدية .

فهؤلاء الإخوة نقول: كلوا من مال أبيكم هنيئاً مريئاً ، وهو على أبيكم إثم ووبال ، إلا أن يهديه الله عز وجل ويتوب ، فمن تاب؛ تاب الله عليه" انتهى من "اللقاء الشهري" (45/16).

وعلى ذلك؛ فلا حرج عليك في أخذ النفقة من أبيك، ولو أعطاك إياها من الفوائد، وأولى لو كانت من المال المختلط.

وينظر جواب السؤال (289442).

ثانيا:

لا حرج في التجارة بالمال الذي ادخرته، إن كان ادخاره جائزا، بأن كان والدك يعطيك المصروف، ويسمح لك بما فاض منه أو بما ادخرته منه.

وينظر جواب السؤال (105827)

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب