الحمد لله.
أولا :
الربا ذنب عظيم وجرم كبير، والمتعامل به متوعَّد بالحرب من الله ورسوله وبمحق البركة واللعن ، وذنب هذا شأنه ينبغي الفرار منه ، والبعد عن طريقه بكل وسيلة .
قال تعالى : (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة /276 . وقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278- 279
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال : (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه . وقال : هم سواء) .
والفوائد التي تدفعها البنوك الربوية هي عين الربا ، فمن اضطر لحفظ المال في البنك الربوي ، فليحفظه في الحساب الجاري ، ومن تاب من التعامل بالربا ، وصرف له شيء من الفوائد وجب عليه أن يتخلص منها بإنفاقها في وجوه الخير ، ولا يجوز أن يأخذها لنفسه .
ومنع الزكاة أيضاً من الكبائر ، ومع ذلك : فلا يحرم التعامل مع مانع الزكاة أو قبول هديته ، لأن الزكاة تكون دَيْنا في ذمته ، ولا يكون ماله كالمال المغصوب أو المسروق الذي يحرم أخذه على كل من علم أنه مسروق .
ثانيا :
الصحيح من كلام أهل العلم أن المحرم لكسبه حرام على كاسبه فقط ، ولا يحرم على من أخذه من الكاسب بوجه مشروع كالهبة ونحوها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قال بعض العلماء : ما كان محرما لكسبه ، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب ، بخلاف ما كان محرما لعينه ، كالخمر والمغصوب ونحوهما ، وهذا القول وجيه قوي ، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتري من يهودي طعاما لأهله ، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر ، وأجاب دعوة اليهودي ، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت ، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة : ( هو لها صدقة ولنا منها هدية ) " انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (3 / 112).
وقال أيضا : " وأما الخبيث لكسبه فمثل المأخوذ عن طريق الغش ، أو عن طريق الربا ، أو عن طريق الكذب ، وما أشبه ذلك ؛ وهذا محرم على مكتسبه ، وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح ؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت ، ويأخذون الربا ، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب " انتهى من "تفسير سورة البقرة" (1/198).
وعلى هذا فلو اشترى الأب لابنه شقة بمال الربا ، فلا حرج على الابن في الانتفاع بها ، لأن إثم الربا على كاسبه فقط .
فيقال للابن هنا : إذا كان امتناعك عن السكن في هذه الشقة لا يؤثر في ترك والدك للربا ، بل يغضبه ويحزنه ، مع استمراره فيما هو عليه ، فلا حرج أن تتزوج وتسكنها.
ثالثا :
من تعامل بالربا ثم تاب إلى الله تعالى ، فإن كان مال الربا باقيا لزمه التخلص منه
، وإن كان قد استعمله وأكله ، فلا شيء عليه فيه .
وإن كان قد وضعه في سكن يحتاجه ، لم يلزم ببيعه ، والتخلص من الربا ، إلا أن يفعل
ذلك بنفسه ، وذلك أولى وأكمل ولا شك . وهذا من تيسير التوبة على أهل المعاصي ، فإنه
إذا قيل لهم : تخلصوا مما في أيديكم من المتاع ، شق ذلك عليهم ، وحمل كثيرا منهم
على تأجيل التوبة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " فإن الرجل قد يعيش مدة طويلة لا يصلي ولا يزكي وقد
لا يصوم أيضا ولا يبالي من أين كسب المال أمن حلال أم من حرام ولا يضبط حدود النكاح
والطلاق وغير ذلك فهو في جاهلية إلا أنه منتسب إلى الإسلام ، فإذا هداه الله وتاب
عليه فإن أُوجب عليه قضاء جميع ما تركه من الواجبات وأمر برد جميع ما اكتسبه من
الأموال والخروج عما يحبه من الأبضاع إلى غير ذلك صارت التوبة في حقه عذابا ، وكان
الكفر حينئذ أحب إليه من ذلك الإسلام الذي كان عليه ؛ فإن توبته من الكفر رحمة ،
وتوبته وهو مسلم عذاب . وأعرف طائفة من الصالحين من يتمنى أن يكون كافرا ليسلم
فيغفر له ما قد سلف ؛ لأن التوبة عنده متعذرة عليه أو متعسرة على ما قد قيل له
واعتقده من التوبة . ثم هذا منفر لأكثر أهل الفسوق عن التوبة وهو شبيه بالمؤيّس
للناس من رحمة الله ، ووضع لآصار ثقيلة وأغلال عظيمة على التائبين الذين هم أحباب
الله ، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، والله أفرح بتوبة عبده من الواجد
لماله الذي به قوامه بعد اليأس منه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/21).
ونصيحتنا لهذا الابن أن يستمر في بر أبيه وتذكيره
بحرمة الربا ، ووجوب المسارعة إلى تركه ، وأن يعجل هو بالزواج مادام قادرا عليه ،
حماية وصيانة لنفسه من الفتن .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال الجميع .
والله أعلم .
تعليق