الحمد لله.
أولًا:
عن سَمُرَة بْن جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا قَالَ: (أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ).
رواه "البخاري" (1143)، وهو جزء من حديث طويل في صحيح "البخاري" برقم (7047).
وينظر حديث سمرة بطوله، في جواب السؤال رقم: (11110).
وينظر أيضا للفائدة: جواب رقم: (46068).
ومعنى: "(يثلغ رأسه) يعنى: يشدخه، والمثلغ من الرطب والتمر: ما أسقطه المطر"، انتهى.
والمقصود من الحديث ترك العمل بالقرآن، قال "ابن بطال": "يعنى يترك حفظ حروفه والعمل بمعانيه، فأما إذا ترك حفظ حروفه، وعمل بمعانيه: فليس برافض له، لكنه قد أتى في الحديث أنه يحشر يوم القيامة أجذم، أي: مقطوع الحجة"، انتهى.
"شرح صحيح البخارى" لابن بطال: (3/ 135)، (9/ 564).
وقال "الطيبي" : "وقوله: (فنام عنه) أي أعرض عنه.
(وعن) ها هنا كما في قوله تعالى: الذين هم عن صلاتهم ساهون؛ أي: ساهون سهو ترك لها، وقلة التفات إليها، وذلك فعل المنافقين والفسقة.
فمعنى (نام عنه بالليل): أنه لم يتله بالليل، ولم يتفكر فيما يجب أن يأتي به ويذر من الأوامر والنواهي، مثل المنافقين والفسقة، فإذا كان حاله بالليل هذا، فلا يقوم به فيعمل بالنهار بما فيه.
ويؤيد هذا التأويل: ما جاء في رواية أخرى للبخاري: (أما الرجل الذي يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل الذي يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة).
وأما من نام من غير أن يتجافي عنه، لتقصير أو عجز: فهو خارج من هذا الوعيد"، انتهى.
"شرح المشكاة" للطيبي: (9/ 3009-3010).
فالحاصل: أن من أسباب العذاب أن ينام عن القرآن، تركًا للعمل به، وقلة التفات إليه.
أما من ترك شيئًا لتقصيره وعجزه: فلا يدخل في هذا الوعيد.
وانظر الجواب رقم: (45325).
ثانيًا:
ينبغي على المؤمن أن يحرص على العمل بالقرآن، فإن الله يقول: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)الأعراف/3، وقال: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)الأنعام/106، وقال: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)يونس: 109].
وفي حديث النَّوَّاس بْنَ سَمْعَان الْكِلَابِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ قَالَ: كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا).مسلم (805).
وعن ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: "لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَإِنَّ أَحْدَثَنَا يُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ فِيهَا كَمَا تَعْلَمُونَ أَنْتُمُ الْقُرْآنَ» ، ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِي مَا أَمْرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهُ يَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ".
رواه "الحاكم" في "المستدرك على الصحيحين"(1/ 91)، (101).
قال الْفُضَيْل: "إِنَّمَا نَزَلَ الْقُرْآنُ لِيُعْمَلَ بِهِ فَاتَّخَذَ النَّاسُ قِرَاءَتَهُ عَمَلًا، قَالَ: قِيلَ كَيْفَ الْعَمَلُ بِهِ؟ قَالَ: أَيْ لِيُحِلُّوا حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَيَأْتَمِرُوا بِأَوَامِرِهِ، وَيَنْتَهُوا عَنْ نَوَاهِيهِ، وَيَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ"، انتهى.
"اقتضاء العلم العمل" للخطيب البغدادي(ص76).
قال "ابن القيم": "ولهذا كان أهل القرآن هم العالمون به العاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب. وأما من حفِظه ولم يفهمه ولم يعمل به، فليس من أهله، وإن أقام حروفه إقامةَ السهم"، انتهى من"زاد المعاد في هدي خير العباد" (1/402).
وراجع لمزيد من الاثار حول هذا المعنى: "الخلاصة في تدبر القرآن الكريم"، د. خالد السبت: (ص68 - 72).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (364967)، ورقم: (93151).
والله أعلم
تعليق