السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

ما معنى تفاوت درجات الجنة، إذا كان لنازليها ما تشتهيه أنفسهم؟

452904

تاريخ النشر : 26-05-2023

المشاهدات : 3686

السؤال

كنت اريد ان اعرف ما الفرق بين درجات الجنة اليس لكل الناس ما تشتهى و كان هناك سؤال ورد ببالى هل اذا رفع الله منزلة عبد فى الجنة ليلحق بأبويه فهل فى هذا ظلم لباقى الناس لان هذا الرجل اخذ ثوابا لا يستحقه

الجواب

الحمد لله.

أولا:

أهل الجنة تتفاوت منازلهم ودرجاتهم.

ولا شك أن لهذا التفاوت أثرًا، فنعيم أهل الدرجات العلى، أفضل من نعيم من دونهم في المنزلة، كما في قول الله تعالى: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ الرحمن/62.

قال أبو الحسن الواحدي رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ )، قال ابن عباس: يريد أدنى من الأوليين، قال ابن جريج: هي أربع: جنتان للمقربين السابقين كما وصفنا، وجنتان لأصحاب اليمين والتابعين كما وصفنا فيما بعد.

ونحو هذا قال مقاتل، وهو قول أكثر المفسرين أن هاتين دون الأوليين في الفضل " انتهى. "البسيط" (21 / 193).

وراجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (340807).

ولا يشكل على هذا كون من دخل الجنة له كل ما تشتهيه نفسه.

كما في قول الله تعالى: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ  فصلت/31 – 32.

وقوله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  الزخرف/71.

فعموم هذا الاشتهاء يكون من العموم الذي أريد به الخصوص، أي كل ما تشتهيه نفسه مما يناسب جنته ومنزلته.

قال ابن النجار الحنبلي رحمه الله تعالى:

" قال ابن قاضي الجبل: يجوز ورود العام والمراد به الخصوص، خبرا كان أو أمرا.

قال أبو الخطاب: وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله في قوله تعالى: ( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ) قال: وأتت على أشياء لم تدمرها، كمساكنهم والجبال " انتهى. "شرح الكوكب المنير" (3 / 168).

لأن أهل الجنة جميعهم قد رضوا بما آتاهم الله تعالى من النعيم المقيم، كما قال الله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ البيّنة/7 - 8.

فالراضي لا يتطلع إلى نعيم من فاقه في المنزلة، فلا تنافس هناك ولا تحاسد.

قال الله تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ الأعراف /43.

وقال الله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ  الحجر /45 - 48.

قال الواحدي رحمه الله تعالى:

" ومعنى نزع الغل: إبطاله بإعدامه من الصدر.

وذكر أهل التأويل هاهنا قولين محتملين:

أحدهما: وهو الذي عليه المعظم أن معناه: أذهبنا الأحقاد التي كانت لبعض على بعض في دار الدنيا...

والقول الثاني: أن نزع الغل إنما هو لئلا يحسد بعضهم بعضا في تفاضل منازلهم وتفاوت مراتبهم في الجنة، واختار الزجاج هذا فقال: وحقيقته -والله أعلم- أنه لا يحسد بعض أهل الجنة بعضا؛ لأن الحسد غل " انتهى. "البسيط" (9 / 139 – 140).

وذهب الطبري إلى أن الآية تتناول القولين، حيث قال رحمه الله تعالى:

" يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وصف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغل وعداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلهموها على سرر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضا على شيء خص الله به بعضهم، وفضّله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة " انتهى. "تفسير الطبري" (10 / 198).

ويدل للقول الثاني حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لاَ تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَحَاسُدَ ... رواه البخاري (3254).

ثانيا:

قد يجمع الله تعالى المؤمن بذريته وزوجه في الجنة، فيلحق الأدنى بالأعلى، كما سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (107781)، ورقم (220421).

وهذا ليس فيه ظلم لمن بقي في منزلته ولم يرفع ؛ لأن هذا من فضل الله تعالى وكرمه ، والمتفضل له أن يعطي من شاء ما شاء.

ويشبه هذا ما رواه البخاري (2268) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ : مَنْ يَعْمَلُ لِى مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ يَعْمَلُ لِى مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ يَعْمَلُ لِى مِنَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ ، فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، فَقَالُوا : مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلاً ، وَأَقَلَّ عَطَاءً ؟ قَالَ : هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ ؟ قَالُوا : لاَ . قَالَ : فَذَلِكَ فَضْلِى ، أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ .

فالظلم : أن يمنع الإنسان ثواب بعض أعماله الصالحة ، أو يحمل سيئات لم يرتكبها .

أما مضاعفة الثواب ورفعة الدرجات ، فهو فضل الله يؤتيه من يشاء ، ولا ظلم في ذلك لأحد ، تعالى الله عن الظلم .

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (121192) ورقم (220421)

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب