الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

تواجه ضغوطاً اجتماعية جعلتها تترك الصلاة وتنزع الحجاب !

46455

تاريخ النشر : 01-10-2006

المشاهدات : 16838

السؤال

أنا آنسة من . . . أعمل رئيسة قسم في إحدى الوزارات .
من عائلة ميسورة ، ولها علاقات مع كبار المسئولين بالبلد .
أحس بغربة شديدة في مجتمعنا ، أكره الاختلاط ، وعدم اهتمام المجتمع بالدين ، وأحب الحجاب ، وأقرأ القرآن . .
رفضت كل من تقدم لي ؛ لأنهم بعيدون عن الدين وليسوا ملتزمين ، ويشربون الخمر .
سافرت مع أهلي للعمرة ، استمتعت بالصلاة في الروضة الشريفة ، واستمتعت بالصلاة والدعاء في مكة ، واستمتعت بمجتمع السعودية المحافظ ، واستمتعت بلبسي للنقاب والعباءة الذي لا أستطيع أن ألبسه في بلدي ، وكانت متعة لا مثيل لها ، وكانت أياماً من أسعد أيام حياتي .
أعمل طول اليوم حتى الساعة السادسة بعد الظهر ، ثم أرجع للبيت وأصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء مع بعض ؛ لأجل أن الشغل ما فيه مجال ولا مكان لنا خاص حتى الأماكن التي ممكن أن نتوضأ فيها مختلطة .
أحس بقرف شديد وأحس أن إيماني ضعف كثيراً ، وخائفة من الفتنة .
لا أستطيع أن أتزوج ، ولا أستطيع أن أقوم بواجباتي الدينية ، إما أن أعيش مثل سائر الناس ، وأرضى بواحد فاسق - والمعذرة على هذه الكلمة - وإما أن أخرج من هذه البلد التي كل ما فيها قرف في قرف .
" أنا دخلت كل مواقع الإنترنت المخصصة للزواج وهذا آخر أمل لي " .
المشكلة الآن أني توقفت عن الصلاة ! وتوقفت عن قراءة القرآن لأنني أحس أن عيشتي نفاق في نفاق ، أريد أن أتحجب ، ورغبتي في الحجاب أكيدة ، وأريد أتزوج وأصون نفسي من الفتنة .
كل صلاتي تكون بكاء وبكاء وكل ما أقرأ القرآن أبكي بمرارة ، حياتي أصبحت مرارة في مرارة .
أغيثوني ، أنقذوني من الفتنة.

الجواب

الحمد لله.

أولا :

نحن نقدر حجم المشكلة التي تعانين منها ، ونقدر حجم الضغوط التي تتعرضين لها من أجل التنازل عن دينك والتزامك ، وهذه المشكلة ليست مشكلتك فقط ، بل هي مشكلة آلاف من المسلمين يريدون التمسك بأحكام هذا الدين القويم ، ويريدون حياة الشرف والعفة والأخلاق ، لكن تواجههم كثير من الصعاب ، في ظل مجتمعات ـ وللأسف ـ انحرفت عن الإسلام كثيراً ، وصارت تنظر بعين الاحتقار والسخرية والازدراء لكل من يتمسك بالدين ، وفي ظل حكومات لا تتوانى في التضييق على الملتزمين ، ولا يخفى على أحد ما تفعله بلادكم لحرب الإسلام والمتمسكين به ، نسأل الله أن يرد كيدهم في نحورهم ، وأن ينصر دينه وعباده المؤمنين .

ثانياً :

(ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة) هكذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن السلعة الغالية تحتاج إلى ثمن كبير ، وليس هناك أغلى من الجنة ، ولهذا لابد أن يوطن المسلم نفسه على أن أي صعوبات يواجهها في طريقه إلى الجنة ، أنها أمر متوقع ، وهي في حقيقة الأمر ـ مهما بلغت شدتها وقسوتها ـ لا تساوي شيئا إذا ما قورنت بالنعيم الذي ينتظره في الجنة .

فهذا مما يهوِّن على المسلم مصائب الدنيا ، والصعوبات التي يواجهها في طريقه إلى الله .

وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشد أهل الأرض بؤساً ـ وهو من أهل الجنة ـ أنه يؤتى به يوم القيامة ويغمس في الجنة غمسة ، فيقال له : يا ابن آدم ، هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ، ما مر بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط . رواه مسلم (2807) .

والعقل يذهب في تصوير حال هذا الشخص ( أشد أهل الأرض بؤساً ) كلَّ مذهب ، ويتصور أفظع المواقف والابتلاءات ، ومع ذلك ، فغمسة واحدة في الجنة تنسيه كل ذلك .

وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن أيام الصبر ، والمتمسك بدينه في ذلك الوقت كالقابض على الجمر ، ولعل هذا الزمان هو الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلابد من الصبر ، ولابد من تحمل الصعاب ـ مهما كانت ـ بل لابد من مواجهتها ، وإلا خسر الإنسان دنياه وأخراه (وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) .

ثالثاً :

في ظل ما تعانين منه من ضغوط اجتماعية وسياسية ـ ونحن نقدر شدتها وقسوتها ـ هذه بعض النصائح التي نهديها إليك وإلى كل من يواجه مثل هذه المشكلة ، مع التنبيه إلى أنه في ظل هذه الضغوط قد يجد المسلم ضيقاً شديداً وصعوبة بالغة في التمسك بأحكام الدين ، فلا مناص من الرضا بأنصاف الحلول ، وبعض الالتزام خوفاً من تركه بالكلية ، ولكن بشرط أن يتطلع المسلم دائما إلى الأفضل ، ويسعى بكل وسعه إلى تجاوز الصعاب ، والتدرج إلى الكمال شيئاً فشيئاً .

فـ " أنصاف الحلول " هذه ، ما هي إلا مرحلة مؤقتة ، وليست دائمة .

وما لا يستطيع المسلم فعله بكامله اليوم بسبب ما يواجهه من ضغوط ، فليفعل ما يستطيعه منه ـ على ما فيه من نقص ـ حتى يصل إلى الكمال شيئا فشيئا ، ويتقبل المجتمع انتقاله من حال إلى حال ، فإن ذلك أسهل من مواجهات ومشاكل لا طاقة للإنسان بها .

وهذه بعض النصائح - ونعتذر لطولها - ولكن الأمر خطير ، وبالغ الأهمية ، ويحتاج إليه كما قلنا آلاف وآلاف من المسلمين ، فلا تكفيه كلمة أو كلمتان :

1- " لا حول ولا قوة إلا بالله "

كلمة جميلة ، وهي كنز من كنوز الجنة ، ومعناها : لا قدرة لنا على التحول من حال إلى حال ، من معصية إلى طاعة ، ومن تقصير إلى كمال ....إلا بمعونة الله وتوفيقه وتسديده .

فلابد من الاستعانة بالله أولاً وآخراً ، وفي سورة الفاتحة التي يقرؤها المسلم كل يوم مرات ومرات : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، فلا نستطيع القيام بعبادة الله إلا إذا وفقنا الله لذلك وأعاننا عليه ، ومن دعاء أهل الجنة : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ) الأعراف/43 . وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا ) "السلسلة الصحيحة" (226) .

فلابد من الاستعانة بالله والاعتماد عليه واستشعار أن الأمور كلها بيده ، بكلمة "كن" يفعل ما يريد .

فاستعيني بالله ، وفوضي أمرك إليه ، وثقي بفرج الله ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) "أي كافيه" الطلاق/3 .

2- الدعاء الدعاء

أكثري من الدعاء ، بأن ييسر الله لك أمرك ، ويوفقك لكل خير ، ويلهمك رشدك ، ويصرف عنك السوء وأهله ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ( إني لا أحمل هم الإجابة ، ولكن هم الدعاء ، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه ) فبالدعاء تفرج الهموم ، وتزول الغموم .

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا . قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ! قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ ) رواه أحمد (10794) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1633) ، فالداعي على خيرٍ دائماً ، ومهما أكثر من الدعاء فالله أكثر خيراً وإنعاماً وفضلاً .

3- العبادات لاسيما الصلاة

عليك بالاهتمام بالعبادات ، فإنها تحيي القلب ، وتنبه الغافل ، وهي من أهم عوامل الثبات ، وإكمال المسيرة ، بعد توفيق الله تعالى .

وأعظم العبادات : الصلاة ، فإنها ركن الدين الركين بعد الشهادتين ، وعمود الإسلام ، ولا حياة للقلوب من غير الصلاة ، وإنها لتريح العبد من كل الهموم والمضايقات ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبلال : ( أرحنا بها يا بلال ) "صحيح سنن أبي داود" (4985) .

فصلي ، واخشعي ، وتدبري ، وابكي ، وأزيلي عنك هموم الدنيا وتعبها .

4- قراءة القرآن الكريم

حافظي على قراءة القرآن الكريم ، ليكن لك وِرْد منه كل يوم ، لا تتركيه ، وليكن عندك تفسير مختصر يساعدك على فهم الآيات وتدبرها ، كتفسير السعدي ، أو أيسر التفاسير للشيخ أبي بكر الجزائري .

فإنه لا أعظم من كلام الله ، ولا موعظة أبلغ من مواعظ الله ، وليس هناك كتاب فيه الهداية والبيان والاستقامة وتفريج الكروب وإزالة الهموم : مثل القرآن .

5- الأذكار والأدعية

داومي على الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات والمناسبات المختلفة ، كأذكار الصباح والمساء ، وعند النوم والاستيقاظ ، والأكل والشرب ، وعند الخروج من المنزل ، والدخول إليه ...... وفي جميع الأحوال ، مع التأكيد على أهمية معرفة معناها ، ومن الكتب القيمة في هذا : كتاب "الفتوحات الربانية بشرح الأذكار النووية" لابن علان ، فهو كتاب قيم ، نتعلم منه معاني الأذكار ، وكيف يكون تدبرها ، حتى تحيى القلوب ، وتكون متصلة بعلام الغيوب .

6- سماع المحاضرات والخطب المفيدة

استمري في سماع المحاضرات المفيدة والخطب ، فإن الإنسان ـ دائماً ـ يحتاج إلى من يذكره ويرشده وينصحه ، ومن خلالها يتعلم الإنسان كثيراً من أحكام دينه ، ويتعلم كيف يتصرف عند الأزمات .

7- لابد من القراءة والتعلم

لابد أن تتعلمي وتقرأي وتتثقفي في الأمور الشرعية ، فإنه (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) رواه البخاري ومسلم ، فلابد من الفقه والفهم ومعرفة الأحكام الشرعية ، وكثير من الأمور التي تتأزم وتتعقد لو تَعَلَّم الإنسان حكمها أو سأل أهل العلم ، لوجدها سهلة ميسرة لا تعقيد فيها ، فقد يكون له رخصة لا يعلمها ، أو يكون هناك بديل في الشرع يتيسر به الأمر .

ومن الكتب المفيدة التي ننصح بقراءتها : "فقه السنة" للشيخ سيد سابق ، "الملخص الفقهي" للشيخ صالح الفوزان ، "عودة الحجاب" للشيخ محمد بن إسماعيل ، كما يمكنك التعلم أيضاً عن طريق المواقع الإسلامية المفيدة .

ولابد أن يكون لك قراءة في التاريخ المعاصر ، لاسيما في بلدك ، وكيف تمت فيه محاربة الإسلام ؟ وكيف كان مكرهم ؟ فإن معرفة المسلم بذلك تبعث فيه روح التحدي فيزداد تمسكاً بالإسلام .

8- وأما موضوع الزواج

فهو في غاية الأهمية بلا شك ، والمصالح المترتبة عليه بالنسبة لك كثيرة وكثيرة ، منها :

‌أ- الاستقرار النفسي ، والسكن والطمأنينة .

‌ب- سيكون سبباً بإذن الله لتخفيف الضغوط الاجتماعية والأسرية عنك ، حيث ستنتقلين إلى سكن جديد مستقل عن أهلك وجيرانك ومجتمعك الذي يقيدك بقيود كثيرة لا تستطيعين الخلاص منها .

‌ج- تربية الذرية الصالحة على العفة والأمانة والحياء والتمسك بهذا الدين والعمل له.

فيستطيع الإنسان أن يفعل مع أولاده ما كان يتمنى أن يفعله معه أبوه ، وتربية الذرية الصالحة من أهم مقاصد النكاح ، والأمة تنتظر منك ومن أمثالك ممن يحبون هذا الدين ، ويريدون الالتزام به ، تنتظر منك ذرية صالحة مؤمنة ، ينفع الله بها الأمة ، ويغير الله بها الأوضاع إلى الأحسن .

وهناك مصالح أخرى كثيرة تحصلينها من وراء الزواج ، ولذلك فنحن نؤكد عليك في هذا الأمر ، ونظراًَ للظروف التي تعانين منها ، فالنصيحة التي لا بد لك منها : إن جاءك من ترضين دينه وخلقه فلا تتأخري في قبوله ، فإن لم يكن فارضي بـ (نصف متدين) ، إذا لم نستطع الكمال فلنرض بأحسن الموجود - وإن لم يكن كاملاً ، وهذه نصيحة خاصة بك نظراً لظروفك الخاصة .

لا نعني بذلك أن ترضي بفاسق أو شارب للخمر ، كلا ، بل المراد أنه مستقيم في الجملة ، محافظ على الصلاة ، محب للدين عموماً ، صاحب خلق ومروءة ، وغيرة على الأعراض ، وإن كان عنده بعض المعاصي الأخرى .

ويمكنك أن تأخذي بيده إلى الأحسن ، بشخصيتك وقوة إقناعك وحكمتك في التعامل معه ، كل هذا بعد توفيق الله تعالى لك وله .

ونحن لا نوافقك على أن دخولك مواقع الإنترنت هو آخر أمل لك ، بل الآمال لا تنقطع ، والمسلم دائما يرجو وينتظر الخير من ربه ، ويحسن الظن بربه القائل في الحديث القدسي : (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) رواه البخاري ومسلم .

9- وأما مشكلة الحجاب وعدم استطاعتك لبسه

فنكرر مرة أخرى أننا نقدر مدى الحرب الضروس التي تواجهينها في بلدكم من أجل الحجاب ، ولذلك نرى أنه لا مانع ـ نظراً لظروفك الخاصة ـ أن تتدرجي إلى الحجاب شيئاً فشيئاً ، فما لا يقبله الآباء أو المجتمع اليوم ، قد يقبله بالتدرج بعد شهر أو شهرين أو سنة .

فعليك أن تلبسي ثياباً محتشمة بقدر الإمكان ، وتحاولي جاهدة تغطية الرأس ، ولبس ملابس واسعة شيئاً فشيئاً ، حتى إذا اعتاد منك الناس الاحتشام يمكنك أن تنتقلي خطوة أخرى إلى الأمام حتى تصلي إلى الحجاب الكامل الذي فرضه الله على نساء المؤمنين ، والذي تريدينه أنت ، واستمتعت به في بلاد الحرمين فترة وجودك بها .

لكن لا تتعجلي ، شيئاً فشيئاً تبلغين ما تريدين بإذن الله .

وهذه الطريقة ليست هي الطريقة المثلى التي ينبغي أن يكون عليها المسلم ، ولكنها تكون مقبولة عند الضرورة ، وعند ظروف خاصة مثل التي تمرين بها ، فتحصيل بعض الشيء أحسن من لا شيء ، والوصول إلى الكمال شيئا فشيئا خير من خسارة كل شيء .

10- وأما الصلاة

فهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهي صلة بين العبد وربه ، فلذلك ينبغي أن يكون اهتمامك بها أشد ، ولابد من المحافظة على أداء الصلاة في وقتها ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) أي لها وقت محدد . النساء/10 .

ولا نظن أن هناك مشكلة بالنسبة لصلاتي الفجر والعشاء ، وكذلك أيضاً صلاة المغرب في فصل الصيف ، حيث سيدخل وقتها بعد خروجك من العمل بساعة أو ساعتين .

وعلى هذا ، فهذه الصلوات لا عذر في تأخيرها عن وقتها ، فاحرصي كل الحرص على صلاتها في الوقت المحدد لها شرعاً .

وأما صلاة الظهر والعصر ، وكذلك صلاة المغرب في فصل الشتاء .

والأصل - كما سبق – أنك تصلين كل صلاة في وقتها ، فتحيني وقتاً يكون مكان الوضوء فيه خالياً من الرجال ، فإن لم يمكن ، فلا مانع من دخول "الخلاء" (مكان قضاء الحاجة) والوضوء بداخله ، فإن الوضوء فيه صحيح ، والغالب أن أرضيته – حتى وإن كانت مبتلة – تكون طاهرة ، ويكون الماء الذي عليها طاهراً ، فليس هناك محذور من الوضوء بداخله .

والواجب على المرأة عند الصلاة أن تستر جميع بدنها إلا الوجه والكفين ، فإن كنت لا تستطيعين في الوقت الحالي أن تكون ثيابك هكذا ، فاحتفظي بحجاب أو ثياب خاصة للصلاة في مكتبك تلبسينها وقت الصلاة .

وليس للصلاة مكان خاص لا تؤدى إلا فيه ، بل تؤدى الصلاة في أي مكان ، فيمكنك انتهاز فرصة وجودك في مكتبك بمفردك فتصلين .

فإن ضاق الأمر ولم تستطيعي أن تصلي كل صلاة في وقتها ، فنرجو أن يكون لك رخصة في الجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، فتؤخرين الظهر إلى وقت العصر وتصلينهما معاً ، ولكن بشرط أن يكون ذلك قبل خروج وقت العصر ، فيكون ذلك قبل غروب الشمس بنحو نصف ساعة أو ساعة إلا ربع ، فإن لم يمكن فلك رخصة إلى غروب الشمس ، وليس هناك عذر لتأخير صلاة العصر إلى ما بعد غروب الشمس .

وأما صلاة المغرب في فصل الشتاء ، فإن أمكنك فعلها في العمل فهذا هو الواجب ، فإن لم يمكن فلك تأخيرها وجمعها مع صلاة العشاء جمع تأخير ، أي في وقت صلاة العشاء ، فتصلين المغرب والعشاء معاً إذا رجعت إلى بيتك .

واعلمي أنك بذلك لا تكونين أخرت الصلاة عن وقتها ، فإن الجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، جائز للحاجة ، ودفعاً للمشقة ، سواء كان ذلك في الحضر أم في السفر ، بخلاف قصر الصلاة ، فإنه لا يجوز إلا في السفر .

لكن عليك أولاً أن تبذلي جهدك لفعل كل صلاة في وقتها ، والمسلم لا تعوزه الحيلة ، وقد كان بعض العسكريين الكبار لا يستطيع الاستئذان للصلاة ، حتى لا يتهم بالأصولية أو الإرهاب ، ويوضع تحت المراقبة ، فكان يستأذن لدخول "الحمام" ثم يتوضأ ويذهب للصلاة ، ثم يعود .

فلا نظن بك العجز عن التحايل وإيجاد فرصة لتصلي كل صلاة في وقتها ، فإن لم يمكن فتجمعين بين الظهر والعصر كما سبق .

ونلفت نظرك في النهاية إلى أن كثيراً من المشاكل التي تتعرضين لها في العمل ، من تأخير الصلاة أو عدم قدرتك على لبس الحجاب ، هي بسبب العمل في مكان مختلط بالرجال .

وعمل المرأة في مكان مختلط مع الرجال بلا ضوابط شرعية يؤدي إلى مفاسد كبيرة جدا ، لا تخفى عليك ، ولذلك كان من حكمة الشرع أن حرم هذا ، فإن استطعت الانتقال إلى قسم آخر ، أو عمل آخر ، بعيدا عن الرجال ، فإن هذا سيحل لك قدرا كبيرا من مشاكلك في العمل ، أو تختارين ترك العمل رأساً ، إلا إذا كان عليك ضغوط من أهلك في الاستمرار في هذا العمل ، فنرجو أن يكون لك رخصة في الاستمرار فيه ، مع محاولتك اتقاء مفاسده بقدر الإمكان .

ونسأل الله تعالى أن يثبتك ، ويوفقك لكل خير ، ويصرف عنك السوء ، ويرزقك الذرية الصالحة .

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب