الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

ما حكم فرض غرامة وتعويض على صاحب العمل إذا تأخر في صرف الرواتب؟

476938

تاريخ النشر : 19-02-2024

المشاهدات : 4040

السؤال

مدير شركة يتأخر في دفع راتب الموظفين عنده، استهتارا منه، وعدم اهتمام بهم، يعني لا يلقي لهم قيمة، أحد الموظفين عرف أن القانون يفرض على من يتأخر في دفع الرواتب عقوبة 40€ على كل شهر، لذلك قدم شكوة بجميع الأشهر التي تأخر عليه في الراتب وحصل على 200€ تقريبا من صاحب العمل. فهل هذا حرام؟ أقصد هل تعتبر هذه غرامة تأخير وربا وحرام؟ أم إنها عقوبة وضعتها الدولة حفاظا على حقوق الموظفين، وعلى سبيل الردع والزجر، حتى لا يتساهل أحد في حقوق الناس، كالشرط الجزائي مثلا؟ أفتونا، لأنني أنا أيضا هناك أشهر تأخر علي مديري في الراتب، وأريد أقدم شكوى ضده؛ حتى لا يكرر هذا الفعل مرة أخرى؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا يجوز تأخير رواتب الموظفين عن وقت الاستحقاق، وهو تمام العمل، أو نهاية المدة المتفق عليها، فإذا كان الاتفاق على جعل الراتب شهريا، لزم دفعه للعامل في نهاية كل شهر، وتأخيره عن ذلك من غير عذر يعد مطلا وظلما.

وينظر: جواب السؤال رقم: (60407).

ثانيا:

لا يجوز اشتراط غرامة أو فرضها على صاحب العمل إذا تأخر في صرف الرواتب عن وقتها؛ لأن الرواتب بعد مضي وقتها تعتبر دينا، ولا يجوز اشتراط زيادة على الدين؛ لأن ذلك ربا، والشرط الجزائي جائز في غير الديون، وللدولة أن تعاقب المماطل بالحبس أو بغيره ، لا بفرض غرامة عليه لصالح الدائن.

جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بخصوص الشرط الجزائي:

 " يؤكد المجلس قرارته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السلم رقم 85 ( 2/9 ) ونصه : لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه؛ لأنه عبارة عن دين ، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير .

وقراره في الاستصناع رقم 65 ( 3/7 ) ونصه : يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطا جزائيا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان، ما لم تكن هناك ظروف قاهرة .

وقراره في البيع بالتقسيط رقم 51 ( 2/6 ) ونصه : إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد: فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين، بشرط سابق أو بدون شرط؛ لأن ذلك ربا محرم .

ثالثا : يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترنا بالعقد الأصلي، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحق قبل حدوث الضرر.

رابعا : يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية، ماعدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينا؛ فإن هذا من الربا الصريح .

وبناء على هذا؛ فيجوز هذا الشرط - مثلا - في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول ، وعقد التوريد بالنسبة للمورد ، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه .

ولا يجوز - مثلا - في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية، سواء كان بسبب الإعسار أو المماطلة ، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنِع إذا تأخر في أداء ما عليه. "انتهى من "قرارات المجمع" (ص371) طبعة وزارة الأوقاف القطرية .

وجاء في قراره بشأن البيع بالتقسيط: " يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء" انتهى من "مجلة المجمع" (ع 6ج1ص 193 وع7ج2ص9).

وجاء في "المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة" ص 30:

" 1 - تحرم مماطلة المدين القادر على وفاء الدين.

2 - لا يجوز اشتراط التعويض المالي نقدا أو عينا، وهو ما يسمى بالشرط الجزائي، على المدين؛ سواء نُصَّ على مقدار التعويض أم لم يُنص، وسواء كان التعويض عن الكسب الفائت (الفرصة الضائعة)، أم عن تغير قيمة العملة.

3- لا تجوز المطالبة القضائية للمدين المماطل بالتعويض المالي، نقداً أو عيناً، عن تأخير الدين.

4 - يتحمل المدين المماطل مصروفات الدعوى وغيرها من المصروفات التي غرمها الدائن من أجل تحصيل أصل دينه " انتهى.

وجاء "المعايير" أيضا، ص35: " لا يجوز اشتراط التعويض على المدين إذا تأخر عن الأداء، ولا المطالبة القضائية به، سواء كان في بدء المداينة، أم عند حلول أجلها؛ لأنه ربا، واشتراطه باطل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم – "المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً" ، ولأن المرابي في الجاهلية كان يقول : أتقضى أم تربي؟ ولأن النهي عن كل قرض جر نفعاً ثبت عن عدد من الصحابة، وبناء على ذلك صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي ونصه: "لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء".

ولا يطبق في تأخير الديون حكم الشرط الجزائي؛ لأن الزيادة في الديون ربا، بخلاف تطبيقه في غير الديون، مثل المقاولات وعقود الاستصناع. وبما أن القضاء فيه إلزام، فلا يجوز الإلزام به مباشرة، ولا يجوز الاستعانة عليه بالقضاء" انتهى.

وعليه؛ فلا يجوز للموظف الذي تأخر راتبه أن يطلب تعويضا عن التأخير، ولا أن يتقاضى ليحصل على تعويض؛ لأن ذلك ربا، لكن له أن يشكو ليحصل على أصل دينه، ويغرم المماطل حينئذ مصاريف الدعوى والتقاضي وغير ذلك مما صرفه ليصل إلى حقه.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " عمن عليه دين فلم يوفه حتى طولب به عند الحاكم وغيره، وغرم أجرة الرحلة. هل الغرم على المدين؟ أم لا؟

فأجاب: الحمد لله، إذا كان الذي عليه الحق قادراً على الوفاء، ومطله حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المماطل، إذا غرمه على الوجه المعتاد " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/ 24).

وقال البهوتي في "كشاف القناع" (3/419): " (ولو مطل) المدينَ ربُّ الحق (حتى شكا عليه؛ فما غرمه) ربُّ الحق (فعلى) المدين (المماطل)، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد، ذكره في الاختيارات؛ لأنه تسبب في غرمه بغير حق.

(وفي الرعاية: لو أحضر مدعى به ولم يثبت للمدعي لزمه) أي المدعي (مؤنة إحضاره و) مؤنة (رده) إلى موضعه لأنه ألجأه إلى ذلك بغير حق " انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب