الحمد لله.
أولا:
القرض الحسن مستحب مشروع، وفيه ثواب نصف الصدقة؛ فمن أقرض خمسمائة ألف فكأنه تصدق بمائتين وخمسين ألفا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إِلَّا كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً.
رواه ابن ماجه (2430) وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي مرفوعا وموقوفا، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (5/225).
ولا حرج في توثيق القرض برهن، من عقار أو غيره، رهنا رسميا، أي على الأوراق فقط، أو رهنا حيازيا، بحيث يكون العقار لدى المرتهن، لكن لا يجوز له استعماله إلا بأجرة المثل دون محاباة.
جاء في "المعايير الشرعية"، معيار الضمانات، ص 59: "الأصل أن يكون الرهن مقبوضا لدى الدائن (الرهن الحيازي)، ويجوز أن يدعه لدى المدين (الرهن التأميني، أو الرسمي)؛ وتثبت له جميع أحكام الرهن" انتهى.
ثانيا:
يحرم اشتراط عقد معاوضة، كالبيع والإجارة، في القرض؛ لما روى الترمذي (1234)، وأبو داود (3504)، والنسائي (4611) عن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وصححه الترمذي، والألباني.
فلا يجوز أن يشترط المقرض على المقترض العمل معه، مجانا أو بأجرة، مقابل القرض، حتى لو كان بأجرة المثل؛ للنهي عنه، وهو ذريعة إلى الربا.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وإن شرط في القرض أن يؤجره داره، أو يبيعه شيئاً، أو أن يقرضه المقترض مرة أخرى: لم يجز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع وسلف) " انتهى من "المغني" (6/437).
فإن اشترط العمل مجانا، أو بأقل من أجرة المثل، فهو ربا.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/241): " وأجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا، ولو كان قبضةً من علف - كما قال ابن مسعود - أو حبة واحدة" انتهى.
فإن كنت تعمل معه قبل القرض، أو عملت الآن، من غير اشتراط ذلك في القرض، وكان العمل بأجرة المثل: فلا حرج.
ثالثا:
الاتفاق على رد القرض بأنقص منه، مختلف فيه بين الفقهاء، فمنهم من حرمه، ومنهم من أجازه.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/ 242):
"وإن شرط في القرض أن يوفيه أنقص مما أقرضه، وكان ذلك مما يجري فيه الربا، لم يجز؛ لإفضائه إلى فوات المماثلة فيما هي شرط فيه.
وإن كان في غيره، لم يجز أيضا. وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي.
وفي الوجه الآخر: يجوز؛ لأن القرض جُعل للرفق بالمستقرض، وشرط النقصان لا يخرجه عن موضوعه، بخلاف الزيادة.
ولنا: أن القرض يقتضي المثل، فشرط النقصان يخالف مقتضاه؛ فلم يجز، كشرط الزيادة" انتهى.
والراجح الجواز، وينظر: جواب السؤال رقم: (260196).
وظاهر سؤالك أنك لم تشترط الخصم من القرض، وإنما تقدم به المقرض، مقابل أن تستمر معه في العمل لسنتين، وقد تقدم أنه لا يجوز اشتراط العمل في القرض، وكذلك لا يجوز اشتراط الاستمرار في العمل، لكن إن يقيت في العمل بغير شرط، وكان عملك بأجرة المثل، فلا حرج، ولا حرج لو أسقط عنك شيئا من القرض بغير شرط ولا اتفاق؛ لأن الاتفاق يعني اشتراط الاستمرار في العمل.
فبين لصاحبك أنك ستعمل -إن أردت ذلك- بلا شرط.
رابعا:
يجوز دفع العربون مع العقد، لا مع الوعد، وهو مذهب الحنابلة، خلافا للجمهور، فإنهم يمنعون العربون مطلقا.
قال في "غاية المنتهى" (3/79): " وهو [أي بيع العربون] دفع بعض ثمن أو أجرةٍ بعد عقد، لا قبله. ويقول: إن أخذتُه أو جئتُ بالباقي، وإلا فهو لك " انتهى.
خامسا:
أما دفع أزيد من نصف مليون لمالك العقار، فلم تبين سببه، ولم نفهم وجهه؟!
فإن كان المراد أن تدفع أكثر من الثمن، وتأخذ ذلك من المقرض، كأن تدفع 600 ألف، ثم تسترد المائة، فهذا كذب وخداع للمقرض، فلا يحل.
وإن كان المراد شيئا آخر، فلعلك تبينه.
والله أعلم.
تعليق