الحمد لله.
لا حرج عليكم من عمل هذه الجلسة ، فقراءة القرآن من واحدٍ منكم واستماع الباقين له أمرٌ مشروع ، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم .
عَن ابن مَسعودٍ رضي اللَّه عنه قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : " اقْرَأْ علَّي القُرآنَ " قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ، قالَ : " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية : فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً النساء/40 قال : " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتَّ إِليْهِ ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ . رواه البخاري ( 4763 ) ومسلم ( 800 ) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز :
ويشرع للمسلمين في هذا الشهر العظيم دراسة القرآن الكريم ومدارسته في الليل والنهار تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يدارس جبرائيل القرآن كل سنة في رمضان ، ودارسه إياه في السنة الأخيرة مرتين ، ولقصد القربة والتدبر لكتاب الله عز وجل والاستفادة منه والعمل به ، وهو من فعل السلف الصالح فينبغي لأهل الإيمان من ذكور وإناث أن يشتغلوا بالقرآن الكريم تلاوة وتدبرا وتعقلا ومراجعة لكتب التفسير للاستفادة والعلم . " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 11 / 319 ، 320 ) .
والأفضل أن يكون مع القراءة تعليم لأحكام القرآن ، وفهم لمعانيه ، فإذا أضفتم إلى القراءة تفسيراً لما تقرأون أو بعضه فقد جمعتم خيراتٍ متعددة ، منها : إصابة السنة في فعلكم ، ومدارستكم القرآن ، وتعليمكم المسلمين ، وإعانتهم على التدبر القرآن . . .
وإذا كانت هذه الختمة في صلاة التراويح كانت أفضل من كونها خارجها .
قال شيخ الإسلام في "الفتاوى الكبرى" (2/297) :
" إِنَّ الأَمْرَ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّرْغِيبَ فِيهَا يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ , فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاةِ أَفْضَلُ مِنْهَا خَارِجَ الصَّلاةِ , وَمَا وَرَدَ مِنْ الْفَضْلِ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ " انتهى .
فإذا شقَّ على الناس ختم القرآن في الصلاة فيمكنكم أن تجمعوا بين الخيرين : المدارسة للقرآن قبل الصلاة ، والقراءة لباقيه في الصلاة ، كما تعتزمون .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ . رواه البخاري ( 3048 ) ومسلم ( 2308 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
هل يمكن أن يستفاد من مدارسة جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان أفضلية ختم القرآن ؟
فأجاب :
يستفاد منها المدارسة وأنه يستحب للمؤمن أن يدارس القرآن من يفيده وينفعه ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام دارس جبرائيل للاستفادة ؛ لأن جبرائيل هو الذي يأتي من عند الله جل وعلا ، وهو السفير بين الله والرسل .
فجبرائيل لا بد أن يفيد النبي صلى الله عليه وسلم أشياء من جهة الله عز وجل ، من جهة إقامة حروف القرآن ومن جهة معانيه التي أرادها الله ، فإذا دارس الإنسان من يعينه على فهم القرآن ومن يعينه على إقامة ألفاظه فهذا مطلوب ، كما دارس النبي صلى الله عليه وسلم جبرائيل ، وليس المقصود أن جبرائيل أفضل من النبي عليه الصلاة والسلام ، لكن جبرائيل هو الرسول الذي أتى من عند الله فيبلغ الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمره الله به من جهة القرآن ومن جهة ألفاظه ومن جهة معانيه ، فالرسول عليه الصلاة والسلام يستفيد من جبرائيل من هذه الحيثية ، لا أن جبرائيل أفضل منه عليه الصلاة والسلام بل هو أفضل البشر وأفضل من الملائكة عليه الصلاة والسلام ، لكن المدارسة فيها خير كثير للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة ؛ لأنها مدارسة لما يأتي به من عند الله وليستفيد مما يأتي به من عند الله عز وجل .
وفيه فائدة أخرى وهي : أن المدارسة في الليل أفضل من النهار ، لأن هذه المدارسة كانت في الليل ، ومعلوم أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب وحضوره والاستفادة أكثر من المدارسة نهاراً.
وفيه أيضا من الفوائد : شرعية المدارسة وأنها عمل صالح حتى ولو في غير رمضان ، لأن فيه فائدة لكل منهما ولو كانوا أكثر من اثنين فلا بأس يستفيد كل منهم من أخيه ويشجعه على القراءة وينشطه ، فقد يكون لا ينشط إذا جلس وحده لكن إذا كان معه زميل له يدارسه أو زملاء كان ذلك أشجع له وأنشط له مع عظم الفائدة فيما يحصل بينهم من المذاكرة والمطالعة فيما قد يشكل عليهم كل ذلك فيه خير كثير .
ويمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن ، ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن وهذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله ، ولكن ليس هذا موجبا لأن يعجل ولا يتأنى في قراءته ، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة . " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 11 / 331 – 333 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله - أيضاً - :
يحرص كثير من الأئمة على أن يختموا القرآن في التراويح والتهجد لإسماع الجماعة جميع القرآن فهل في ذلك حرج ؟
فأجاب :
هذا عمل حسن فيقرأ الإمام كل ليلة جزءا أو أقل لكن في العشر الأخيرة يزيد حتى يختم القرآن ويكمله هذا إذا تيسر بدون مشقة ... وقد عقد العلامة ابن القيم رحمه الله بابا في كتابه : " جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام " ذكر فيه حال السلف في العناية بختم القرآن فنوصي بمراجعته للمزيد من الفائدة . " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 11 / 333 ، 334 ) .
وانظر أجوبة الأسئلة : ( 46088 ) و ( 1505 ) و ( 4039 ) .
والله أعلم .
تعليق