الحمد لله.
أولاً :
قيامك على شئون عمتك ورعايتك لها من الأعمال الصالحة التي تقربك إلى الله وتزيد في أجورك وتثقِّل موازينك ، لكن ذلك مشروط باحتساب عملك لوجه الله تعالى ، ولا حرج من أخذك أجرة المثل مقابل تلك الرعاية والعناية .
ولا يحل لك أخذ ما يزيد على هذا بالإحراج أو بالحيلة , قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في " إرواء الغليل " ( 1459 ) .
كما لا يحل لك - ولا لها – قصد الإضرار بالورثة ، سواء كان ذلك بالهبة أو الوقف في حال الحياة أو وصية بعد الموت لغير وارث ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه "
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
" وأما إن قصد المضارة بالوصية لأجنبي بالثلث فإنه يأثم بقصده المضارة ، وهل ترد وصيته إذا ثبت بإقراره أم لا ؟ حكى ابن عطية رواية عن مالك : أنها ترد ، وقيل : إنه قياس مذهب أحمد " انتهى .
" جامع العلوم الحِكَم " ( 1 / 305 ) .
وقال الشيخ صدِّيق حسن خان رحمه الله :
" ومن وقف شيئا مضارة لوارثه كان وقفه باطلا , لأن ذلك مما لم يأذن به الله سبحانه , بل لم يأذن إلا بما كان صدقة جارية ينتفع بها صاحبها , لا بما كان إثما جاريا , وعقابا مستمرا , وقد نهى الله تعالى عن الضرار في كتابه العزيز عموما وخصوصا , ونهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم عموما , كحديث : ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) " انتهى .
" الروضة الندية " ( 2 / 154 ) .
ثانياً :
جاء في سؤالك قولك عن إخوتك فيما أنكروه عليك " واستغلال عدم أهلية العمة " ! فإذا كان ما قالوه صحيحاً وأن عمتك ليست أهلاً للتصرف في المال , كما لو كانت غير عاقلة , أو كانت سفيهة تضيع الأموال : فإن ما قامت به من هبتك أموالها باطل شرعاً ولا يحل لك تملكه ؛ لعدم أهليتها في التصرف في أموالها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" جميع الأقوال والعقود مشروطة بوجود التمييز والعقل ، فمن لا تمييز له ولا عقل : ليس لكلامه في الشرع اعتبار أصلا , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد , وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب ) فإذا كان القلب قد زال عقله الذي به يتكلم ويتصرف فكيف يجوز أن يجعل له أمر ونهي أو إثبات ملك أو إزالته ، وهذا معلوم بالعقل مع تقرير الشارع له ... .
العقود وغيرها من التصرفات مشروطة بالقصود كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ) ، وقد قررت هذه القاعدة في كتاب " بيان الدليل على بطلان التحليل " وقررت أن كل لفظ بغير قصد من المتكلم لسهو وسبق لسان وعدم عقل : فإنه لا يترتب عليه حكم " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 33 / 107 ) .
ثالثاً :
أما إذا كانت عمتك عاقلة رشيدة فإن تصرفها في أموالها بالهبة أو الصدقة أو غير ذلك : صحيح .
قال الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله في حكم مطابق لمسألتنا :
" يجوز للزوج في صحته وحياته أن يهدي زوجته ما يشاء مقابل صبرها أو حسن خدمتها أو ما دخل عليه لها من مال أو صداق إذا لم يفعله إضراراً بالورثة الآخرين ، ولا يتحدد ذلك بربع المال ولا غيره .
وهكذا بالنسبة للزوجة ، لها أن تعطي زوجها ما شاءت من مالها أو صداقها ؛ لقوله تعالى : ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) .
ولا يجوز ذلك في حال المرض ؛ لكونه يُعتبر وصية لوارث " انتهى .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 29 ) .
وليعلم إخوتك أنه لا يجب على العمة أن تعدل في العطية بين أولاد أخيها ، والعدل في العطية إنما يجب إذا كانت العطية للأولاد , أما غيرهم فلا يجب العدل بينهم في العطية .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" يجوز للإنسان أن يفضِّل بعض ورثته على بعض إذا كان هذا التفضيل في حال صحته إلا في أولاده فإنه لا يجوز أن يفضل بعضهم على بعض " انتهى .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 30 ) .
وخلاصة الجواب :
إذا كانت عمتك عاقلة رشيدة ووهبتك هذه الأموال بمحض إرادتها ورضاها من غير إجبار منك أو احتيال , ولم تُرِدْ بذلك الإضرار بالورثة , فهذه الهبة صحيحة , وليست مخالفة للشرع .
أما إذا كانت غير رشيدة أو كانت الهبة بدون رضاها , أو أرادت الإضرار بالورثة , فهذه الهبة حرام ولا تصح , وأموالها ما زالت باقية في ملكها .
ولك في هذه الحالة أن تأخذ منها أجرة مقابل خدمتك لها وإدارتك لأموالها , على أن تكون هذه الأجرة على قدر العمل وليس مبالغاً فيها .
والله أعلم .
تعليق