الخميس 27 جمادى الأولى 1446 - 28 نوفمبر 2024
العربية

وقع في الزنا ثم تاب ، فهل يجوز له الزواج من امرأة عفيفة؟

تاريخ النشر : 07-01-2015

المشاهدات : 151983

السؤال


لدي سؤال بخصوص الآية رقم 3 من سورة النور ، فعلى الرغم من اختلاف الآراء بخصوص تفسير هذه الآية إلا أن الجميع متفق على أنّ التوبة النصوح والخالصة لله تجعل زواج الزاني من غيره جائزة ، فما الدليل على ذلك من القرآن والسنة ؟ لا شك لدي بأن الله يغفر الذنوب جميعاً وأنّ رحمته وسعت كل شيء ولكننا في نفس الوقت لا يجوز لنا افتراض أنّ التوبة تطهر الزاني مما فعل دون أن يقام عليه الحد ، فهل يوجد مذهب أخذ بظاهر الآية وعليه يقول بحرمة زواج الزاني أو الزانية من غيرهم وإن تابوا ؟ لقد وقعت في الزنا قبل عدة سنوات بالرغم من أنني حافظت على نفسي من كافة المعاصي الأخرى وأنا أعيش منذ ذلك اليوم في ندم وحرقة على ما فعلت والحمد لله تبت إلى الله من تلك المعصية فأنا أريد أن أحيا حياة نقية طاهرة وأنا الآن أريد الزواج من فتاة ملتزمة وأريد أن أعرف إن كان يجوز لي ذلك أم لا حتى أكون متأكداً من قراري .

الجواب

الحمد لله.


أولاً :
سبق في الفتوى رقم : (27113) أنه ليس من لازم التوبة من الزنا أن يقام الحد على الزاني ، فلو تاب الزاني توبة نصوحاً تاب الله عليه ، ولو لم يقم عليه حد الزنا .

قال النووي رحمه الله :
" قَوْله : ( جَاءَ مَاعِز بْن مَالِك إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه طَهِّرْنِي , فَقَالَ : وَيْحك اِرْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّه وَتُبْ إِلَيْهِ , فَرَجَعَ غَيْر بَعِيد ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه طَهِّرْنِي . . . إِلَى آخِره ) ، وَمِثْله فِي حَدِيث الْغَامِدِيَّة ( قَالَتْ : طَهِّرْنِي , قَالَ : وَيْحك اِرْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّه وَتُوبِي إِلَيْهِ ) هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْحَدّ يُكَفِّر ذَنْب الْمَعْصِيَة الَّتِي حُدَّ لَهَا , وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيث عُبَادَةَ بْن الصَّامِت - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - , وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَته ) وَلَا نَعْلَم فِي هَذَا خِلَافًا . وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى سُقُوط إِثْم الْمَعَاصِي الْكَبَائِر بِالتَّوْبَةِ , وَهُوَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، إِلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَوْبَة الْقَاتِل خَاصَّة . وَاللَّهُ أَعْلَم . فَإِنْ قِيلَ : فَمَا بَال مَاعِز وَالْغَامِدِيَّة لَمْ يَقْنَعَا بِالتَّوْبَةِ وَهِيَ مُحَصِّلَة لِغَرَضِهِمَا وَهُوَ سُقُوط الْإِثْم , بَلْ أَصَرَّا عَلَى الْإِقْرَار وَاخْتَارَا الرَّجْم ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّ تَحْصِيل الْبَرَاءَة بِالْحُدُودِ وَسُقُوط الْإِثْم مُتَيَقَّن عَلَى كُلّ حَال لَا سِيَّمَا وَإِقَامَة الْحَدّ بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَمَّا التَّوْبَة فَيُخَاف أَنْ لَا تَكُون نَصُوحًا , وَأَنْ يُخِلّ بِشَيْءٍ مِنْ شُرُوطهَا , فَتَبْقَى الْمَعْصِيَة وَإِثْمهَا دَائِمًا عَلَيْهِ , فَأَرَادَا حُصُول الْبَرَاءَة بِطَرِيقٍ مُتَيَقَّن دُون مَا يَتَطَرَّق إِلَيْهِ اِحْتِمَال . وَاللَّهُ أَعْلَم " انتهى من " شرح صحيح مسلم للنووي " (11/199) .

ثانياً :
إذا تاب الشخص من الزنا ، فإنه يرتفع عنه وصف الزنا ، فلا يعد داخلاً في النهي الوارد في قوله تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور : 3 .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم (199600) ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني . فالتائب من الزنى في حكم الشرع كأنه لم يقع في تلك الفاحشة .
فما دمت قد تبت إلى الله من ذلك الذنب ، فلا تلتفت إلى الماضي ، واعلم أن الله بفضله وكرمه يقبل التوبة من عبده مهما عظم الذنب ، كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان : 68-71 .

وعليه ، فيجوز لك الزواج من امرأة ملتزمة عفيفة ، وينبغي أن تستر نفسك ، فلا تخبر أحداً – حتى من تريد الزواج منها - بما وقع منك من زنا ، نسأل الله أن يرزقك الزوجة الصالحة .

وينظر للفائدة الفتوى رقم : (95754) ، و (127635) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب