الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

إذا زنت المرأة ، ثم أجبرت على الزواج من رجل عفيف ، فهل يصح ذلك الزواج ؟

السؤال

ذكر الله تعالى في القرآن أن الزاني لا ينكح إلا زانية ، وسمعت كذلك حديثاً مفاده أن رجلاً زانياً أقيم عليه الحد فمُنع من الزواج بامرأة بكر إلا أن تكون مثله ، أي وقع عليها حد الزنا سابقاً . فإذا كان الأمر هكذا ، فما الحكم في امرأة زانية أُجبرت على الزواج برجل غير زان ؟ ولم تستطع تجنب هذا الزواج لأسباب ما، فماذا تعمل الآن ؟ إنها تشعر بالخوف من ممارسة الجماع مع زوجها ؛ لأن الزواج على اعتبار الأدلة المذكورة في الأعلى غير صحيح ..! أرجو توضيح الحكم الشرعي لهذه الحالة ، فهذه المرأة قد عدمت مساعدة الآخرين ، وأصبح وضع العائلتين ( عائلة الزوج والزوجة ) على المحك .

الجواب

الحمد لله.

أولاً :
ليس المقصود من قوله تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً ... الآية ) النور/3 ، أن الزاني ليس له أن يتزوج إلا زانية ، وكذلك المرأة الزانية ليس لها أن تتزوج إلا زانيا ، بل المقصود من الآية : حرمة نكاح الزاني أو الزانية من العفيف ، ما لم يتوبا .

قال ابن كثير رحمه الله : " ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب ، فإن تابت صح العقد عليها ، وإلا فلا ، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح ، حتى يتوب توبة صحيحة ؛ لقوله تعالى : ( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) " انتهى من " تفسير ابن كثير " (6/9) .

 

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : " ومعنى الآية : أن من اتصف بالزنا ، من رجل أو امرأة ، ولم يتب من ذلك ، أن المقدم على نكاحه ، مع تحريم الله لذلك ، لا يخلو :
إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله ، فذاك لا يكون إلا مشركا .
وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله ، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه ، فإن هذا النكاح زنا ، والناكح زان مسافح ، فلو كان مؤمنا بالله حقا ، لم يقدم على ذلك .
وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب ، وكذلك إنكاح الزاني حتى يتوب " .
انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/561) .

فالرجل العفيف لا يجوز له أن يتزوج امرأة زانية ، وكذلك المرأة العفيفة لا يجوز لها الزواج من رجل زانٍ ، إلا إذا حصلت التوبة ممن اتصف بالزنا منهما ، وكذلك الزاني والزانية ليس لهما أن يتزوجا إلا إذا تابا .

وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم : (122639) ، وجواب السؤال رقم : (14381) .

ثانياً :
من تاب من الزنا ارتفع عنه وصف الزنا ، فلم يشمله النهي الوارد في حرمة نكاح الزاني ، وجاز له في هذه الحال أن يتزوج من امرأة عفيفة – أي : لم يسبق لها الوقوع في فاحشة الزنا – كما يجوز له أن يتزوج ممن قد زنت سابقاً ، لكنها تابت .
وكذلك الحال بالنسبة للمرأة الزانية : ليس لها أن تتزوج بمسلم عفيف حتى تتوب ، فإن تابت : صح نكاحها منه .

وأما ما ذكرتيه من أن الزاني المحدود ليس له الزواج ، إلا بامرأة مثله قد وقعت في الزنا وأقيم عليها الحد ، فهذا قول منقول عن بعض السلف ، واستدلوا على ذلك بما رواه أبو داود (2052) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ ، إِلَّا مِثْلَهُ ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .

قال القرطبي رحمه الله : " ذكره الزجاج وغيره عن الحسن ، وذلك أنه قال : المراد : الزاني المحدود والزانية المحدودة ، قال : وهذا حكم من الله ، فلا يجوز لزان محدود أن يتزوج إلا محدودة ، وقال إبراهيم النخعي نحوه .
وفي مصنف أبى داود عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينكح الزاني المحدود إلا مثله ) ، وروى أن محدودا تزوج غير محدودة ، ففرق علي رضى الله عنه بينهما .
قال ابن العربي : وهذا معنى لا يصح نظرا كما لم يثبت نقلا ، وهل يصح أن يوقف نكاح من حد من الرجال ، على نكاح من حد من النساء ، فبأي أثر يكون ذلك ، وعلى أي أصل يقاس من الشريعة ! " انتهى من " تفسير القرطبي " (12/168-169) .

والصحيح أن يقال : إن وصف ( المجلود ) في الحديث خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا ، وثبت عليه ، وذلك لا يكون إلا فيمن نفذ عليه الحد ، فيكون معنى الحديث : أن المرأة العفيفة لا يحل لها الزواج ممن ظهر منه الزنا ، وكذلك الرجل لا يحل له الزواج ممن ظهر منها الزنا ، فيكون معنى الحديث موافقاً لمعنى الآية : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً ) ومؤكدا له .

قال الشوكاني رحمه الله : " قوله : ( الزاني المجلود ) هذا الوصف خرج مخرج الغالب ، باعتبار من ظهر منه الزنا ، وفيه دليل على أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنا ، وكذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا ، ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب ؛ لأن في آخرها : ( وحرم ذلك على المؤمنين ) انتهى من " نيل الأوطار " (6/201) .

وبناءً على ما سبق ، فمتى ندمت المرأة على ما وقعت فيه من الزنا ، وتابت منه قبل أن يعقد عليها ذلك الرجل ، فالعقد صحيح ، ويلزمها أن تستر على نفسها ، فلا تخبر أحدا عما حصل منها سابقاً .
وأما لو وقع عقد النكاح قبل حصول التوبة من الزنا ، فالقول المفتى به في الموقع أنه لا يصح النكاح ، ويلزم إعادته ، وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (85335) .

فإذا أمكن أن يعاد عقد النكاح – في حال وقع العقد قبل التوبة - ، ولو بأي مبرر مقبول : فهذا هو المطلوب والأحوط ؛ خروجاً من خلاف أهل العلم رحمهم الله ، واحتياطاً لعقد النكاح .

فإن لم يمكن ذلك إلا بالتصريح بحدوث الزنا ، وكان في ذلك التصريح مفاسد ، من وقوع الطلاق على المرأة إذا علم زوجها بأمرها السابق ، أو على الأقل حدوث الشك والريبة من الزوج إن رضي ببقاء زوجته معه ، أو هتك سترها بين الناس ، أو تعييرها به ، ونحو ذلك من المفاسد : فلا حرج عليها ، إن شاء الله ، في الاستمرار في ذلك العقد ، ولا شك أن هذا قول معتبر ، له وجهه ، بل هو قول جمهور العلماء ، خاصة في حق من دخل في ذلك العقد ، وهو يعتقد صحته .
بل صرح بضع الحنابلة أنفسهم ، بتصحيح النكاح في الصورة المذكورة :

قال المرداوي رحمه الله : " وقال بعض الأصحاب : لا يحرم تزوجها قبل التوبة إن نكحها غير الزاني . ذكره أبو يعلى الصغير " انتهى من " الإنصاف " (8/133) .

والحاصل من ذلك :
أنه إذا لم يمكن تجديد عقد النكاح بين الأسرتين ، إلا بمفسدة أعظم ، أو فضيحة وهتك ستر للمرأة : فلا بأس عليها في المضي في هذا النكاح ، وتمكين زوجها من نفسها ، وممارسة حياتها بصورة طبيعية .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (131467) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب